كشفت دراسة جينية حديثة عن أدلة قوية تربط تاريخ الكلاب ارتباطًا وثيقًا بتاريخ البشر، حيث رافقت الكلاب البشر في رحلاتهم عبر آلاف الكيلومترات والسنين، من سيبيريا المتجمدة إلى الصين وآسيا الوسطى. وتشير النتائج إلى أن هذه العلاقة ليست وليدة الصدفة، بل هي نتيجة لتبادل ثقافي طويل الأمد يعود إلى أكثر من 10 آلاف عام.
نُشرت الدراسة في مجلة “ساينس” في 13 نوفمبر/تشرين الأول 2025، وحللت الحمض النووي لـ 73 كلبًا أثريًا، بما في ذلك 17 عينة تم تحليلها لأول مرة. وقد سمح هذا التحليل بتتبع أنماط انتشار الكلاب وتغيرها الجيني بالتوازي مع تحركات البشر عبر القارات.
رحلة الكلاب مع البشر: شهادة الحمض النووي
يقول الباحثون إن النتائج تؤكد أن الكلاب لم تكن مجرد حيوانات أليفة، بل كانت جزءًا لا يتجزأ من “الحزمة الثقافية” التي حملها البشر معهم خلال هجراتهم وتغيراتهم الاجتماعية. وهذا يعني أنها لعبت دورًا وظيفيًا هامًا في حياة المجتمعات البشرية القديمة، سواء كانوا صيادين، أو مزارعين، أو رعاة.
على سبيل المثال، أظهر تحليل كلب عمره حوالي 9700 عام من كهف خاتستير في سيبيريا ارتباطًا وراثيًا بكلب آخر من جزيرة زخوخوف، على الرغم من المسافة الشاسعة بين الموقعين. يشير هذا إلى أن السكان القدماء الذين سكنوا هذه المناطق، والمعروفين باسم “السكان الباليوليت السيبيريين القدماء”، ربما تبادلوا الكلاب مع بعضهم البعض أثناء تنقلاتهم عبر سيبيريا.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الدراسة أن الكلاب في الصين شهدت تحولات جينية كبيرة خلال العصرين الحجري الحديث والبرونزي. فكلاب وادي النهر الأصفر، التي يعود تاريخها إلى حوالي 5000 عام، حملت بصمة وراثية قادمة من المناطق القطبية الشمالية، قبل أن تظهر عليها تأثيرات من الكلاب ذات الأصول الغربية.
تأثير سهوب آسيا الوسطى على التنوع الجيني للكلاب
وفي ممر هشي شمال غرب الصين، وهو جزء من طريق الحرير القديم، تم العثور على كلاب تعود إلى 4000 عام مضت، وتحمل جينات غربية واضحة. وهذا يتوافق مع الهجرات المعروفة لرعاة السهوب من غرب أوراسيا خلال العصر البرونزي.
تشير الدراسة أيضًا إلى أن الكلاب القديمة الموجودة في بوتاي، كازاخستان، وهي من أوائل المواقع التي تم فيها ترويض الخيل، تحمل مزيجًا من الجينات القطبية والغربية. من المثير للاهتمام أن البشر في هذا الموقع لم يكونوا قد تعرضوا بعد لموجات الهجرة الغربية في العصر البرونزي، مما يشير إلى أن تبادل الكلاب بين المجموعات البشرية كان يحدث بشكل مستقل في بعض الأحيان.
الترابط بين تاريخ البشر وتاريخ الحيوانات الأليفة
ومع ذلك، يرى الباحثون أن تاريخ الكلاب يعكس بشكل عام تاريخ البشر. ولكن الدراسة سلطت الضوء على حالات استثنائية، مثل بعض المجتمعات التي امتلكت كلابًا ذات أصول جينية مختلفة عن أصولهم، مما يدل على أن الكلاب كانت تتنقل وتتبادل بين المجتمعات المختلفة حتى في غياب اختلاط بشري واسع النطاق.
يرى الخبراء أن هذه الدراسة تقدم رؤى جديدة حول العلاقة المعقدة بين البشر والكلاب، وتوضح كيف لعبت الكلاب دورًا مهمًا في تشكيل ثقافاتنا وتاريخنا. كما أن فهمنا للتاريخ الجيني للكلاب يمكن أن يساعدنا في الحفاظ على التنوع الوراثي لهذه الحيوانات المهمة في المستقبل.
من المتوقع أن يقوم الباحثون بتوسيع نطاق الدراسة ليشمل المزيد من الكلاب الأثرية من مناطق مختلفة من العالم، بهدف الحصول على صورة أكثر اكتمالاً لتاريخ الكلاب وتطورها. البحث المستمر في الجينوم القديم للكلاب والتحليلات المقارنة مع الحمض النووي البشري ستساعد في توضيح المزيد من التفاصيل حول هذه العلاقة الفريدة، خاصةً خلال الفترات الزمنية التي تشهد تغييرات مناخية واجتماعية كبيرة.















