شهدت العلاقة بين فلورنتينو بيريز، رئيس نادي ريال مدريد، وخوان لابورتا، رئيس نادي برشلونة، تحولاً جذرياً في الأشهر الأخيرة. فبعد فترة من التعاون في قضايا مصيرية لكرة القدم الإسبانية والأوروبية، عادت المياه إلى مجاريها، وأصبحت المواقف متباعدة، بل ومعادية في بعض الأحيان. هذا التحول يثير تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين أكبر ناديين في إسبانيا، وتأثير ذلك على الاستقرار السياسي والرياضي لكرة القدم. هذه المقالة تتناول علاقات ريال مدريد وبرشلونة المتوترة وأسباب هذا التدهور.

بداية الشقاق: هجوم بيريز الشديد على برشلونة

تصاعدت حدة التوتر العلني بين رئيسي الناديين عقب اجتماع الجمعية العمومية لريال مدريد الأخير، حيث شن فلورنتينو بيريز هجوماً لاذعاً على برشلونة. وبحسب صحيفة “سبورت” الإسبانية، لم يترك بيريز أي قضية حساسة تخص النادي الكتالوني إلا وذكرها، الأمر الذي فاجأ الكثيرين بالنظر إلى العلاقات السابقة.

شمل الهجوم عدة ملفات، أبرزها مباراة برشلونة الودية المثيرة للجدل في ميامي، وتقارب برشلونة المتزايد مع رابطة الأندية الأوروبية (EPFL) والاتحاد الأوروبي لكرة القدم (UEFA)، بالإضافة إلى عمليات تسجيل اللاعبين المتورطة في الموسم الماضي وقضية “نيغريرا” الشهيرة، والتي لا تزال تلقي بظلالها على الكرة الإسبانية.

من التحالف إلى العداء: ما الذي حدث؟

قبل عام واحد فقط، كان بيريز يصف برشلونة بأنه شريك أساسي في تطوير كرة القدم العالمية. في اجتماع الجمعية العمومية العام الماضي، قال بيريز: “إذا استبعدنا المشاحنات على أرض الملعب، فعلى برشلونة وريال مدريد أن يساعد كلٌّ منهما الآخر”. وأضاف: “ريال مدريد من الأندية الكبرى في العالم، برشلونة كذلك، علينا أن نفكر بشكل استراتيجي ونتعاون”.

لكن هذه التصريحات لم تلقَ استحساناً لدى جماهير ريال مدريد، التي كانت تتمنى رؤية رئيس النادي يتخذ موقفاً أكثر صرامة تجاه الغريم التقليدي. ووفقاً لوسائل الإعلام، كان بيريز قد تدخل بالفعل لمساعدة برشلونة في إتمام صفقات معينة مثل إعادة تسجيل اللاعبين داني أولمو وباو فيكتور في وقت سابق من العام. تزامن ذلك مع الشراكة القوية بين الرئيسين في مشروع دوري السوبر الأوروبي الذي أثار جدلاً واسعاً.

خيانة الثقة: وجهة نظر مدريد

لكن يبدو أن هذه المساعدة لم تُقابل بالتقدير من جانب برشلونة. وفقاً لـ “سبورت”، فإن الإحساس السائد في ريال مدريد هو أن النادي الكتالوني “خان” الثقة التي مُنحت له.

ركز بيريز في السابق على مواجهة قوة رابطة الدوري الإسباني (La Liga) بقيادة خافيير تيباس، والاتحاد الأوروبي لكرة القدم (UEFA) برئاسة ألكسندر تشيفيرين، باعتبارهما العائقين الرئيسيين أمام تطوير كرة القدم. ومع ذلك، أثار التقارب الواضح بين برشلونة والـUEFA ورابطة الأندية الأوروبية غضب بيريز، خاصة بعد تصريح لابورتا العلني: “نحن في برشلونة نسعى لتهدئة كرة القدم الأوروبية. نريد التوصل إلى اتفاق والعودة إلى الاتحاد الأوروبي. دورنا كان بناء الجسور معه”.

تصاعد الأزمة: ميامي و”قضية نيغريرا”

ساهمت عدة أحداث في تصعيد الأزمة بين الناديين. فبعد تصريحات لابورتا، عمل ريال مدريد بكل قوته على إلغاء مباراة برشلونة مع فياريال التي كان من المقرر إقامتها في ميامي، وهو ما نجح فيه بالفعل. هذه الخطوة اعتبرها البعض استهدافاً مباشراً لبرشلونة وتقويضاً لجهوده في تعزيز مكانته العالمية.

الأمر الذي زاد الطين بلة هو موقف ريال مدريد من قضية نيغريرا، حيث انضم كطرف مدعي في الدعوى القضائية المتعلقة بالمدفوعات التي تلقاها خوسيه إنريكيس نيغريرا، نائب رئيس لجنة التحكيم السابق، من برشلونة. وطلب ريال مدريد إضافة ملف جديد إلى الدعوى يتضمن تصريحات مسؤولي برشلونة السابقين.

تصريحات متبادلة وتوتر متزايد

وصل التوتر بين الناديين إلى ذروته مع التصريحات المتبادلة بين اللاعبين والمسؤولين. فبعد طرد هانسي فليك، مدرب برشلونة، في مباراة ضد جيرونا، صرح لابورتا بأنها “تبدو وكأنها يد بيضاء”، في إشارة ضمنية إلى تدخل مؤثر في القرارات التحكيمية. ورد تيبو كورتوا، حارس مرمى ريال مدريد، على تصريح لابورتا بالإشارة إلى “قضية نيغريرا”. كما تطرق جود بيلينغهام إلى نفس القضية خلال مباراة الكلاسيكو الأخيرة.

وفي كلمته أمام الجمعية العمومية، صعد بيريز من حدة الأمور قائلاً: “ليس طبيعيا أن يدفع برشلونة أكثر من 28 مليون يورو لنائب رئيس الحكام لمدة 8 سنوات، أيا كان السبب فهذا غير طبيعي”.

نهاية التحالف؟

يبدو أن العلاقة بين بيريز ولابورتا وصلت إلى طريق مسدود. فقد اكتفى الرئيسان بتبادل التحايا الرسمية في مقابلة عابرة خلال الكلاسيكو في ملعب سانتياغو برنابيو. ووفقاً لـ “سبورت”، فإن ريال مدريد قد تخلى تماماً عن فكرة مساعدة برشلونة، “بينما يوضح برشلونة بكل الوسائل أن عدوه الأول يرتدي اللون الأبيض”. في الختام، يمكن القول إن الخلاف بين ريال مدريد وبرشلونة قد وصل إلى ذروته، وأن “الطلاق” بين الرئيسين يبدو وشيكاً. ستبقى تداعيات هذا التحول محل مراقبة دقيقة من عشاق كرة القدم في جميع أنحاء العالم، خاصة مع تأثيره المحتمل على مستقبل المنافسة بين الناديين وعلى الاستقرار السياسي للعبة.

شاركها.
اترك تعليقاً