في مشهد درامي هز أوساط الكنائس والأديرة في إسبانيا، اقتحم الحرس المدني هذا الصباح دير لا بريتونيرا، أحد أبرز الأديرة التاريخية في وسط البلاد. الهدف من هذه العملية الجريئة كان توقيف الراهبة الأخت إيزابيل، المعروفة أيضًا باسم لورا غارسيا دي فيدما، بتهمة تهريب الأعمال الفنية، وهي قضية تتشابك مع صراعات دينية داخلية واتهامات بالاحتيال المالي.

تمرد الراهبات وخلفياته الدينية

تعود جذور هذه القضية إلى العام الماضي، حينما انشقت مجموعة من الراهبات عن الفاتيكان، وتبنين معتقدات الأسقف بابلو دي روخاس، الذي جرى حرمانه كنسيًا في عام 2019. أسس دي روخاس طائفة “اتحاد الأتقياء للقديس بولس الرسول”، والتي يعتقدها المحققون أنها واجهة لعمليات ربحية مشبوهة. تشير التحقيقات إلى أن الراهبات المتمرّدات يسعين إلى شراء دير أوردونيا في مقاطعة فيزكايا، وذلك من خلال بيع ممتلكات دينية أخرى تابعة لهن، بما في ذلك دير لا بريتونيرا.

عملية التفتيش والقبض على المتورطين

بعد عملية تفتيش دقيقة في دير لا بريتونيرا، الواقع بين بورغوس ولوغرونيو، ألقي القبض على تاجر تحف يُشتبه في تورطه في شراء وبيع سلع تعتبر جزءًا من التراث الفني التاريخي، والتي تعود ملكيتها للكنيسة الكاثوليكية. بدأت محكمة بريفييسكا تحقيقًا أوليًا بناءً على شكوى قدمها شخص مجهول، مما أدى إلى استبعاد ما يصل إلى عشر راهبات من الدير.

تهم الاحتيال المالي وتضارب المصالح

تتعرض رئيسة الدير السابقة، الأخت إيزابيل، لقضايا جنائية إضافية. الأولى تتعلق بمحاولة بيع ما يقرب من كيلوغرامين من الذهب العائد لطائفتها الدينية مقابل 130 ألف يورو، بمساعدة راهبتين أخريين. أما الثانية، فهي تتعلق بمحاولة الاحتيال من خلال السعي لبيع الدير الثاني. بالإضافة إلى ذلك، حاولت غالبية الراهبات المتمرّدات تسجيل أديرة بيلورادو وديريو وأوردونيا كشركات مستقلة، بهدف تجنب أي قيود من الكرسي الرسولي وتنفيذ عملياتهن بحرية.

كيف بدأت مؤامرة الراهبات؟

أعلنت راهبات بورغوس تمردهن في مايو 2024، معبرات عن رفضهن للتغييرات التي أقرها المجمع الفاتيكاني الثاني عام 1965، ومؤكدات التزامهن بتعاليم بابلو دي روخاس. بعد أيام قليلة، فرت إحدى الراهبات من دير سيدة كلير. حاول الحرس المدني دخول الدير بعد شهر، لكنه لم ينجح. ورغم استدعاء الراهبات وصدور قرار الحرمان الكنسي، استمرت المجموعة في مسيرتها.

صراع على النفوذ وقضايا عقارية

وفقًا للأبرشيات المعنية، فإن جوهر القضية يكمن في عملية عقارية روّج لها دي روخاس بالتواطؤ مع رئيسة الدير، دون موافقة جميع الراهبات. كما برز صراع على النفوذ يتعلق بصلاحيات الأخت إيزابيل، التي لم يُسمح لها بتجديد ولايتها. قامت جماعة راهبات كلاريس في فيتوريا بمقاضاة نظيراتهن بتهمة الإخلال بعقد بيع دير أوردونيا، الموقّع في عام 2020. تعهدت راهبات بيلورادو بدفع 1.2 مليون دولار خلال عامي 2022 و2023، لكن هذه المدفوعات لم تُسدَّد بعدما منع الكرسي الرسولي بيع دير ديريو.

مستقبل الدعوى القضائية

تستعد الراهبات السابقات للتوجه إلى المحكمة الإقليمية لاستئناف الحكم الصادر عن محكمة بريفييسكا، والذي قضى لصالح الكنيسة الكاثوليكية وألزمهن بإخلاء دير بيلورادو. هذه القضية تثير تساؤلات حول استقلالية الأديرة، والرقابة على الممتلكات الدينية، وتأثير الخلافات العقائدية على القرارات المالية والإدارية.

قادة الطائفة المتمرّدة

يقدّم بابلو دي روخاس سانشيز فرانكو نفسه بصفته “الدوق الإمبراطوري والأمير المنتخب للإمبراطورية الرومانية المقدسة خمس مرات”. وقد تنقل بين عدة جماعات دينية تقليدية، ويزعم أنه نال الرسامة الأسقفية على يد اليسوعي السابق ديريك شيل. أما المتحدث باسم الطائفة، فرانسيسكو سياسيرو، فهو نادل سابق بات رئيسًا لجمعية السقاة في فيزكايا، قبل أن يُطرد منها. تُظهر هذه الشخصيات الخلفيات المتنوعة للقادة الذين يقفون وراء هذا التمرد الديني، وتلقي الضوء على الدوافع المعقدة التي تحركهم.

الخلاصة

قضية تهريب الأعمال الفنية المتورطة فيها راهبات لا بريتونيرا هي أكثر من مجرد جريمة مالية. إنها قصة عن التمرد الديني، والصراع على السلطة، والفساد المحتمل. تستمر التحقيقات في الكشف عن تفاصيل جديدة، ومن المتوقع أن تشهد هذه القضية تطورات مثيرة في الأشهر القادمة. يبقى السؤال: ما هو مصير الأديرة المتنازع عليها، وهل ستتمكن الراهبات المتمرّدات من تحقيق أهدافهن؟ هذه القضية تثير نقاشًا هامًا حول دور الكنيسة في حماية التراث الثقافي، وضمان الشفافية في إدارة الممتلكات الدينية. تابعوا آخر التطورات في هذه القضية المثيرة للجدل.

شاركها.
اترك تعليقاً