تأتي هذه المقالة استجابةً لمطلب تقديم تحليل مفصل حول تأثير السياسات التجارية للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على قطاع التصنيع الأمريكي، بناءً على تقرير صادر عن وكالة بلومبيرغ. سنسلط الضوء على التناقضات بين الوعود الانتخابية بـ النهضة الصناعية والواقع الحالي، مع التركيز على دور الرسوم الجمركية في إعاقة النمو المتوقع.

الرسوم الجمركية لترامب: هل تعرقل حقًا الوظائف الصناعية؟

في محاولة لإعادة إحياء الصناعة الأمريكية، أطلق الرئيس دونالد ترامب موجة من الرسوم الجمركية على السلع الوسيطة والمعدات الصناعية اعتبارًا من أبريل/نيسان 2025. كان الهدف المعلن هو “فتح عصر جديد من الازدهار الصناعي” وخلق المزيد من فرص العمل. ومع ذلك، يكشف تقرير حديث لوكالة بلومبيرغ عن صورة مختلفة تمامًا، حيث تحولت هذه السياسات التجارية إلى عقبة رئيسية أمام تحقيق الوعود الانتخابية. البيانات الاقتصادية الأخيرة تشير إلى أن قطاع التصنيع الأمريكي يشهد تراجعًا ملحوظًا في التوظيف، مما يثير تساؤلات حول فعالية هذه الإجراءات.

أرقام سبتمبر/أيلول تكشف عن مفارقة

أظهرت البيانات الرسمية الصادرة عن الاقتصاد الأمريكي لشهر سبتمبر/أيلول الماضي مفارقة واضحة. فبينما أضاف الاقتصاد الأمريكي 119 ألف وظيفة جديدة بشكل عام، فقد قطاع التصنيع 6 آلاف وظيفة إضافية. هذا يعني أن إجمالي الخسائر في وظائف التصنيع منذ بداية العام قد وصل إلى 94 ألف وظيفة، وهو أقل بـ 94 ألف وظيفة من العام الماضي، وأقل بـ 58 ألف وظيفة مقارنة بالفترة التي سبقت تطبيق الرسوم الجمركية في أبريل/نيسان. هذه الأرقام تشير إلى أن الرسوم الجمركية لم تؤدِ إلى زيادة التوظيف في قطاع التصنيع كما كان متوقعًا، بل على العكس، ساهمت في تفاقم مشكلة فقدان الوظائف.

الرسوم على الآلات: ضربة قاصمة للتوسع الصناعي

يرى خبراء الاقتصاد أن جزءًا كبيرًا من التأثير السلبي للرسوم الجمركية على الصناعة الأمريكية يرجع إلى طبيعة السلع التي تم استهدافها. ففي حين قام ترامب بإعفاء مئات الفئات من السلع الاستهلاكية، مثل الموز ولحم البقر والقهوة، إلا أنه أبقى الرسوم على الآلات والمعدات الصناعية الضرورية لبناء المصانع الجديدة وتحديثها. هذا الاستهداف للسلع الوسيطة يعتبر “خطأ هيكليًا” من قبل المحللين، لأن هذه المنتجات هي المحرك الأساسي لأي نهضة صناعية حقيقية.

تكلفة الإنتاج ترتفع

فرض رسوم محتملة على “الروبوتات والآلات الصناعية” يزيد بشكل كبير من تكلفة إنشاء خطوط الإنتاج الجديدة، مما يجعل الاستثمار الصناعي داخل الولايات المتحدة أكثر تكلفة مقارنة بالدول الأخرى. هذا بدوره يقلل من جاذبية الاستثمار في الصناعة الأمريكية، ويؤدي إلى تباطؤ النمو والتوسع.

وعود ترامب التصنيعية في مواجهة الواقع

على الرغم من حديث ترامب المتكرر عن “قائمة طويلة من المصانع الجديدة” التي ستُبنى قريبًا، إلا أن الواقع يشير إلى خلاف ذلك. فقد صرح وزير الخزانة سكوت بيسنت في مقابلة تلفزيونية بأن الازدهار الصناعي قد يحتاج إلى وقت أطول ليتحول إلى وظائف فعلية، مضيفًا: “نحن متفائلون جدًا بعام 2026… لقد جهّزنا الطاولة لاقتصاد قوي وغير تضخمي”. هذا التصريح يعكس اعترافًا ضمنيًا بأن الوعود الانتخابية لم تتحقق بعد، وأن هناك تحديات كبيرة تواجه تحقيق النمو الصناعي المتوقع.

تباين الأداء بين القطاعات

تظهر البيانات أيضًا تباينًا حادًا في أداء القطاعات المختلفة. ففي حين أضاف قطاع البناء -الذي يستفيد من الطفرة في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي- 10 آلاف وظيفة، فإن القطاعات الصناعية الأخرى تشهد نزيفًا في العمالة. في المقابل، شهد قطاعا الصحة والترفيه نموًا ملحوظًا، حيث أضافا معًا 104 آلاف وظيفة. هذا التباين يوضح أن النمو الاقتصادي لا يزال يتركز في قطاعات معينة، بينما يعاني قطاع التصنيع من الركود.

ضغوط الصناعيين على البيت الأبيض

تواجه إدارة الرئيس الحالي ضغوطًا متزايدة من جمعيات صناعية، مثل “الاتحاد الوطني للمصنّعين”، للحصول على إعفاءات للمواد الخام والآلات. وتجنبًا لاستخدام كلمة “استثناءات” التي لا يفضلها الرئيس، اقترحت هذه الجمعيات بدلاً من ذلك “استيراد المواد الأساسية دون رسوم، واسترداد الرسوم المدفوعة على المعدات الصناعية”. هذه المطالبات تعكس القلق المتزايد بين الصناعيين بشأن تأثير الرسوم الجمركية على قدرتهم التنافسية وعلى فرص النمو والتوسع.

الخلاصة: تحديات تواجه تحقيق النهضة الصناعية

بشكل عام، تشير البيانات والتحليلات إلى أن السياسات التجارية التي تبناها الرئيس ترامب، وخاصة الرسوم الجمركية على السلع الوسيطة والمعدات الصناعية، لم تحقق النتائج المرجوة في قطاع التصنيع. بل على العكس، ساهمت في إعاقة النمو والتوسع، وزيادة تكلفة الإنتاج، وتفاقم مشكلة فقدان الوظائف. تحقيق الاستدامة الصناعية يتطلب إعادة النظر في هذه السياسات، والتركيز على إيجاد حلول تدعم الاستثمار والابتكار في قطاع التصنيع الأمريكي.

من المهم متابعة التطورات الاقتصادية وتحليل البيانات بشكل مستمر لتقييم فعالية السياسات التجارية وتحديد أفضل السبل لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام. هل توافق على أن الرسوم الجمركية كانت عائقًا أمام تحقيق النهضة الصناعية؟ شارك برأيك في التعليقات!

شاركها.
اترك تعليقاً