مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لانتصار الثورة السورية وتغيير نظام الحكم، تظهر تفاصيل جديدة ومؤثرة حول معركة “ردع العدوان” الحاسمة التي أطلقتها فصائل المعارضة المسلحة في أواخر عام 2024. هذه المعركة، التي قادها الرئيس أحمد الشرع بعد فترة وجيزة من توليه المنصب (كان سابقًا أبو محمد الجولاني، قائدًا لإدارة العمليات العسكرية)، لم تكن تقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل على رؤية مستقبلية لسوريا مبنية على التسامح والعفو، وهو ما يبرز أهمية الاستقرار في سوريا في مرحلة ما بعد الحرب.
رؤية قيادة “ردع العدوان”: منع الانتقام أولاً
كشف العميد أحمد رزق، قائد الفرقة 80 في الجيش السوري، في حديث حصري لمنصة “سوريا الآن”، عن تفاصيل تخص الاجتماعات التي سبقت انطلاق معركة “ردع العدوان”. وأكد أن الرئيس أحمد الشرع، الذي كان حينها يشغل منصب قائد إدارة العمليات العسكرية، وضع في مقدمة أولوياته منع أي أعمال انتقامية أو إراقة دماء بعد السيطرة على المناطق.
كان الشرع يركز بشدة على ضرورة استبدال لغة القتل والعنف بروح التسامح والصفح، وتجنب أي محاولات لتصفية الحسابات أو الثأر الشخصي. هذا التوجه كان واضحًا في توجيهاته للقادة العسكريين، التي أكدت على أن أهالي حلب، على سبيل المثال، يجب ألا يتعرضوا للتهجير أو الإقصاء بأي شكل من الأشكال.
الأبعاد الإنسانية كأولوية قصوى
لم يقتصر اهتمام الرئيس الشرع على الجانب الأمني والعسكري، بل امتد ليشمل الجانب الإنساني بشكل كبير. فقد كان هذا الجانب يشكل مصدر قلق رئيسي له، حيث كان يدرك تمامًا أن بناء سوريا الجديدة لا يمكن أن يتم على أساس من الكراهية والانتقام، بل يجب أن يقوم على أساس المصالحة الوطنية وتعزيز التماسك الاجتماعي. هذا يؤكد أهمية المصالحة الوطنية السورية كركيزة أساسية لإعادة بناء الدولة.
مبادرة للحوار المجتمعي قبل المعركة
وبناءً على توجيهات الرئيس الشرع، قام العميد أحمد رزق قبل شهر من بدء المعركة، بدعوة مجموعة من وجهاء مناطق الريف الغربي وعقد اجتماع بهم. خلال هذا الاجتماع، أوضح رزق أن التحضيرات للمعركة جارية، مع التأكيد على أن النصر الحقيقي لا يكمن في الانتقام، بل في العفو والتسامح. حثَّهم على ألا يتحول أي خلاف سياسي أو شخصي إلى مبرر للانتقام من أي شخص.
كان الهدف من هذه المبادرة هو تهيئة الأجواء المجتمعية للتسامح، وتشجيع السكان على نبذ العنف والانتقام، والتركيز على بناء مستقبل أفضل لجميع السوريين. كما كان يهدف إلى التأكيد على أن المعركة تهدف إلى استعادة الحقوق والكرامة، وليس إلى إشعال نار الفتنة والطائفية.
رسائل واضحة ضد الثأر خلال وبعد المعركة
لم تتوقف رسائل الرئيس الشرع الداعية إلى التسامح عند هذا الحد، بل استمرت في التوالى خلال وبعد انطلاق معركة “ردع العدوان”. فقد قام الشرع بإلقاء العديد من التصريحات العلنية التي أكد فيها بشكل قاطع أن المعركة “لا مكان فيها للثأر”.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك، ظهوره في مقطع فيديو أثناء دخول الثوار إلى مدينة حماة، حيث قال متضرعاً: “أسأل الله أن يكون فتحاً لا ثأراً فيه، بل كله رحمة ومودة”. وبعد دخول القصر الجمهوري ببضعة أيام، أكد الرئيس الشرع خلال لقائه بمجموعة من صنّاع المحتوى أن “عنوان المعركة كان: اللهم نصرا لا ثأر فيه”، مضيفاً أن العقلية الثأرية لا يمكن أن تبني دولة قوية ومستقرة.
نتائج ملموسة: انضباط ملحوظ في العمليات العسكرية
بفضل الالتزام الصارم بتوجيهات الرئيس الشرع، مرت العمليات العسكرية في إطار “ردع العدوان” بانضباط ملحوظ، دون تسجيل حالات انتقام واسعة النطاق. لقد نجحت القيادة الجديدة في زرع قيم التسامح والعفو في نفوس المقاتلين، ونجحت في منعهم من الانجرار وراء الرغبة في الانتقام، وهو ما ساهم بشكل كبير في الحفاظ على الأمن والاستقرار في المناطق المحررة. هذا النجاح يعزز فكرة أن إعادة بناء سوريا تحتاج إلى قيادة حكيمة ورؤية واضحة.
مستقبل سوريا: التسامح كطريق للمضي قدمًا
إن التركيز المبكر للرئيس الشرع على منع الانتقام وتعميم قيم التسامح والعفو، يمثل نقطة تحول هامة في تاريخ سوريا الحديث. لقد أظهر هذا التوجه أن القيادة الجديدة تدرك تمامًا أن بناء سوريا الجديدة يتطلب جهدًا جماعيًا، ومصالحة وطنية حقيقية، ونبذًا قاطعًا للكراهية والانتقام. هذه الرؤية تضع الأمن المستقبلي لسوريا في إطار أوسع من مجرد الانتصار العسكري، وتركز على بناء مجتمع متماسك ومزدهر. إن دروس معركة “ردع العدوان” تظل ذات أهمية بالغة، وتؤكد على أن الطريق الوحيد نحو مستقبل أفضل لسوريا يكمن في التسامح والمصالحة والوحدة الوطنية.















