بشارة بحبح، الاسم الذي يتردد صداه في أوساط السياسة الأمريكية والفلسطينية، ليس مجرد ناشط أو أكاديمي، بل قصة تحول فكري وسياسي عميق. رحلته، التي بدأت في أزقة القدس القديمة، تعكس صراعات وتطلعات جيل كامل من الفلسطينيين في الشتات، وتكشف عن ديناميكيات جديدة في علاقة الجاليات العربية والإسلامية بالسياسة الأمريكية. هذه المقالة تستعرض مسيرة بحبح، رؤيته للقضية الفلسطينية، وتحوله من داعم لترامب إلى ناقد حذر، مع التركيز على استراتيجيته الجديدة في التعامل مع الانتخابات الأمريكية.
## من القدس إلى هارفارد: قصة حياة بشارة بحبح
ولد بشارة بحبح في القدس القديمة، في حارة السعدية، عاش طفولته في غرفة واحدة ضيقة مع عائلته المكونة من تسعة أفراد. ذكريات الطفولة، من صوت المطر على سقف الزينكو إلى رائحة البهارات في سوق العطارين، لا تزال حية في ذاكرته رغم مرور خمسين عامًا على مغادرته فلسطين. هذه التجربة المبكرة، كلاجئ يعيش في ظروف قاسية، شكلت وعيه السياسي والاجتماعي، وألهمته للعمل من أجل تحقيق العدالة والكرامة لشعبه.
حصل بحبح على بعثة دراسية كاملة إلى جامعة هارفارد، حيث درس وأكمل دراساته العليا في وقت قياسي. يصف تجربته في هارفارد بأنها “حلم”، لكنه يؤكد أن النجاح لم يكن سهلًا، وأنه واجه تحديات مالية واضطر للعمل بجد لتغطية نفقاته. هذه الرحلة الأكاديمية الاستثنائية مكنته من اكتساب المعرفة والمهارات اللازمة للعمل في مجال السياسة والدفاع عن قضايا مجتمعه.
## تحول سياسي: من دعم ترامب إلى “الفلسطينيون من أجل السلام”
يشكل التحول السياسي لبشارة بحبح نقطة محورية في فهم رؤيته الحالية. ففي البداية، كان بحبح من الداعمين المتحمسين للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وأسس منظمة “العرب الأميركيون من أجل ترامب” بهدف حشد الدعم له في الانتخابات. لكن هذا الدعم تحول إلى تحفظ ونقد بعد تصريحات ترامب حول غزة، والتي بدت وكأنها تقدم مشاريع استثمارية لا تخدم مصلحة الفلسطينيين.
هذا التحول دفعه إلى تغيير اسم المنظمة إلى “الفلسطينيون الأميركيون من أجل السلام”، وهو قرار رمزي يعكس تحولًا في الأولويات والأهداف. يشرح بحبح أن هذا التغيير جاء بعد أن أدرك أن الوعود السياسية غالبًا ما تكون زائفة، وأن الطريقة الوحيدة لتحقيق المكاسب هي من خلال ربط الدعم السياسي بالتزامات مكتوبة وواضحة. هذه الاستراتيجية الجديدة، التي يصفها بأنها “درس قاسٍ”، تهدف إلى تحويل الأصوات الانتخابية إلى ورقة ضغط فعالة.
## الانتخابات الأمريكية: ورقة ضغط جديدة
يرى بشارة بحبح أن الجاليات العربية والإسلامية في الولايات المتحدة تمتلك قوة انتخابية كبيرة، خاصة في الولايات المتأرجحة. ويؤكد أن هذه القوة يجب أن تستخدم بذكاء وفعالية لتحقيق المصالح الفلسطينية. “هذه المرة تعلمنا درسنا، إذا أردنا أن نمنحهم أصواتنا فيجب أن نأخذ المقابل، وأن يكون هذا المقابل مكتوبا لا شفويا”، يقول بحبح بنبرة حاسمة.
ويضيف أن الانتخابات النصفية المقبلة في عام 2026 ستكون اختبارًا جديدًا لهذه الاستراتيجية. فالهدف هو إقناع المرشحين، سواء كانوا جمهوريين أو ديمقراطيين، بتقديم وعود والتزامات واضحة بشأن القضية الفلسطينية قبل الحصول على دعم الجاليات العربية والإسلامية. هذا التحول في طريقة التعامل مع الانتخابات الأمريكية يعكس نضوجًا سياسيًا ووعيًا بأهمية استخدام الأدوات المتاحة لتحقيق الأهداف المنشودة.
## رؤية للسلام: دولة فلسطينية منزوعة السلاح
على الرغم من خيبة الأمل التي شعر بها بحبح من بعض التحولات السياسية، إلا أنه لا يزال مقتنعًا بأن السلام ممكن، ولكنه يتطلب رؤية واقعية وقابلة للتحقيق. يقترح بحبح قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح، بقوات أمن داخلية فقط، لكنها تتمتع بسيادة كاملة على مواردها البشرية والطبيعية.
ويؤكد أن هذا الحل هو الأكثر واقعية في ظل موازين القوى الحالية، وغياب أي قوة عسكرية فلسطينية قادرة على مواجهة إسرائيل. “ليس لدى الشعب الفلسطيني أي عمل عسكري مؤثر”، يقول بحبح، مشيرًا إلى أن الحوار هو الخيار الوحيد المتاح. ويرى أن إسرائيل مجبرة على التعامل مع الواقع، وأنها بحاجة إلى السلام لتحقيق الاستقرار والازدهار.
## الإفراج عن عيدان ألكسندر: دور محوري وخيبة أمل
لعب بشارة بحبح دورًا محوريًا في الإفراج عن الأسير الأمريكي عيدان ألكسندر، المحتجز لدى المقاومة الفلسطينية في غزة. نجح بحبح في مهمة فشل فيها آخرون، حيث تمكن من التواصل مع حماس وإقناعها بإطلاق سراح ألكسندر.
لكنه أعرب عن خيبة أمله عندما أعلن ألكسندر بعد إطلاق سراحه عزمه على العودة للجيش الإسرائيلي. “أنا قمت بذلك لوقف الحرب على غزة. أما مصيره فبيده هو”، قال بحبح، مؤكدًا أن هدفه الرئيسي كان إنهاء العنف والمعاناة في غزة.
## الحنين إلى القدس: ذاكرة لا تموت
على الرغم من نجاحه في الولايات المتحدة، إلا أن قلب بشارة بحبح لا يزال معلقًا بالقدس القديمة. يختتم بحبح حواره بتأثر بالغ، معبرًا عن حنينه الدائم إلى القدس. “الحنين إلى القدس، بعد 50 عاما في الولايات المتحدة، لا يزال كما هو”، يقول بحبح، مستعيدًا ذكريات طفولته في حارة السعدية، وصوت الأذان، ورائحة البهارات في سوق العطارين. هذه الذكريات، التي لا تمحوها غربة السنين، هي التي تدفعه للاستمرار في العمل من أجل تحقيق العدالة والكرامة لشعبه الفلسطيني.















