في خطوة تصعيدية، تقدمت لبنان بشكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي ضد إسرائيل، متهمة إياها ببناء جدران إسمنتية داخل الأراضي اللبنانية. هذه التطورات تثير مخاوف عميقة بشأن الحدود وتهدد الاستقرار الإقليمي الهش، وتتطلب تحليلاً دقيقاً وتغطية شاملة. يركز هذا المقال على تفاصيل الشكوى اللبنانية ضد إسرائيل، الأسباب والدوافع وراءها، والتداعيات المحتملة على الوضع في جنوب لبنان والمنطقة بشكل أوسع.
تفاصيل الشكوى المقدمة لمجلس الأمن
أعلنت وزارة الخارجية اللبنانية عن تقديم شكوى رسمية لمجلس الأمن الدولي، مدعومة بوثائق من قوات يونيفيل، تفيد بأن إسرائيل باشرت ببناء جدارين إسمنتيين داخل الأراضي اللبنانية المعترف بها دولياً. الجداران، اللذان تم وصفهما بأنهما يتبعان شكل حرف “تي” (T)، يهدفان بحسب بيروت إلى قضم أجزاء إضافية من الأراضي اللبنانية وتغيير الحقائق على الأرض. كما تتضمن الشكوى طلباً بالتحرك العاجل لردع تل أبيب والضغط عليها لإزالة الجدران والانسحاب الفوري من المواقع الحدودية التي لا تزال تحتلها جنوباً، والتي تمتد من رأس الناقورة غربًا إلى منطقة تلة الحمامص شرقًا.
الحكومة اللبنانية تؤكد استعدادها للدخول في مفاوضات لإزالة الاحتلال ووقف الاعتداءات، مع التزامها بتنفيذ القرار 1701 بشكل كامل ودون تجزئة. وتشدد على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة وبسط سيادتها على كامل أراضيها، وهو أمر تعتبره جوهرياً لتحقيق الاستقرار ومنع المزيد من التصعيدات.
خروقات إسرائيلية متكررة للخط الأزرق والقرار 1701
تعتبر هذه الخطوة الإسرائيلية، وفقًا للرواية اللبنانية، خرقًا إضافيًا للقرار 1701 الصادر عام 2006 والذي أنهى الحرب اللبنانية الإسرائيلية، ويهدف إلى وقف الأعمال العدائية وضمان انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية. وقد سجلت قوات يونيفيل بالفعل هذه الخروقات، حيث أكدت أن الجدار الذي شُيد جنوب غربي يارون تجاوز الخط الأزرق، مما أدى إلى فقدان أكثر من 4000 متر مربع من الأراضي اللبنانية لصالحها.
الخط الأزرق، الذي اعتمدته الأمم المتحدة عام 2000، يمثل خط الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، لكن بيروت ترفض الاعتراف به كحدود دولية، مؤكدة أنه لا يلغي الحدود الدولية المُرسّمة والمعترف بها عالميًا. وتعترض الحكومة على ما لا يقل عن 13 نقطة في هذا الخط وتصر على وجود خط حدودي واحد واضح. هذا الخلاف الجذري حول تعريف الحدود هو أحد الأسباب الرئيسية للتصعيد المستمر في المنطقة.
دوافع إسرائيل وراء بناء الجدران
يشير الخبير العسكري والإستراتيجي حسن جوني إلى أن بناء الجدران الإسرائيلية في محيط يارون ليس صدفة. فالمواقع المختارة تتميز بأهمية عسكرية واستراتيجية للبنان، وتمنحه أفضلية جغرافية في المنطقة. لذلك، تسعى إسرائيل من خلال هذه الخطوة إلى تغيير الواقع الميداني وتحويل هذه الميزة لصالحها.
ويضيف جوني أن إسرائيل تستغل ضعف الموقفين اللبناني والدولي بعد الحرب الأخيرة، وتستغل هذا الظرف للتحرك بحرية في المناطق الحدودية وإدخال تعديلات على الحدود قد تتحول لاحقاً إلى أمر واقع. هذه الاستراتيجية تهدف إلى معالجة ما تعتبره إسرائيل “ثغرات” في الجغرافيا الحدودية، وتعزيز “تحصين مواقعها الدفاعية” القائمة أصلاً داخل الأراضي اللبنانية.
تحليل سياسي: محاولات لتغيير الواقع المفروض
المحلل السياسي خلدون شريف يرى أن السلوك الإسرائيلي يتميز بالعدوانية المستمرة، حيث تحتل إسرائيل الأرض ثم تعلن الانسحاب منها مع الاحتفاظ بجزء منها. ويوضح أن النية الإسرائيلية الحالية هي إنشاء منطقة عازلة خالية من السكان والأنشطة الزراعية، من خلال قضم تدريجي للأراضي اللبنانية، على غرار ما يحدث في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويؤكد شريف أن تقديم الشكوى ضد إسرائيل إلى مجلس الأمن كان خطوة ضرورية، ولكنه يشير إلى أهمية مواصلة هذا المسار للحفاظ على حقوق لبنان على الصعيد الدولي، حتى لو كان الرأي العام العالمي يميل إلى الانحياز لإسرائيل. هذا يتطلب جهوداً دبلوماسية مكثفة وتعبئة للرأي العام العالمي لفضح الممارسات الإسرائيلية.
تداعيات محتملة وتصعيد متوقع
إن بناء هذه الجدران يمثل محاولة واضحة لفرض وقائع جديدة على الأرض وتغيير الوضع الراهن، مما ينذر بتصعيد محتمل في التوترات بين لبنان وإسرائيل. كما أن هذه الخطوة تؤثر سلباً على عملية ترسيم الحدود البحرية، حيث تسعى إسرائيل إلى مراجعة الاتفاقية التي تم التوصل إليها عام 2022.
الوضع الحالي يتطلب حكمةً وضبطاً للنفس من جميع الأطراف، وتجنب أي إجراءات قد تؤدي إلى اندلاع صراع جديد. كما أن هناك حاجة إلى تدخل دولي فعال للضغط على إسرائيل لوقف بناء الجدران والالتزام بالقرارات الدولية، واستعادة الحقوق اللبنانية المشروعة. تفاقم الوضع قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة بأكملها، ويعيق جهود التنمية والسلام.
وفي الختام، تبقى الشكوى اللبنانية ضد إسرائيل خطوة مهمة على الصعيد الدبلوماسي والقانوني، ولكن نجاحها يتوقف على قدرة المجتمع الدولي على اتخاذ موقف حازم وموحد لوقف الممارسات الإسرائيلية العدوانية وحماية حقوق لبنان. يجب على لبنان الاستمرار في الدفاع عن سيادته وأراضيه بكل الوسائل المتاحة، والعمل على تعزيز وحدته الوطنية وتعبئة كل طاقاته لمواجهة هذه التحديات.















