في زيارة تحمل طابعًا دبلوماسيًا استثنائيًا، وصل وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى إيران أمس الأحد، في محطته الرابعة منذ توليه منصبه، حاملاً ملفًا ثقيلاً من القضايا الثنائية والإقليمية التي تتصدر الاهتمام في المنطقة. هذه الزيارة، التي تأتي في ظل تحولات إقليمية متسارعة، تؤكد على أهمية العلاقة التركية الإيرانية في صياغة مستقبل المنطقة، وتحديدًا في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية المتزايدة.
زيارة فيدان إلى طهران: تعزيز التعاون في ظل التحديات الإقليمية
تأتي هذه الزيارة في وقت تسعى فيه كل من أنقرة وطهران إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري، مع مناقشة ملفات حساسة تشمل غزة وسوريا والقوقاز، إلى جانب ملفات الطاقة والبنية التحتية. فور وصوله، عقد فيدان مباحثات مكثفة مع نظيره الإيراني عباس عراقجي والرئيس مسعود بزشكيان ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، وعلي لاريجاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، مركزةً على قضايا سياسية وأمنية تتعلق بالمنطقة.
التعاون الاقتصادي في صدارة المباحثات
تصدر التعاون الاقتصادي جدول المباحثات، حيث أكد عراقجي أن إيران تعد “واحدة من أكثر موردي الطاقة موثوقية لتركيا”، مؤكدًا استعداد بلاده لتمديد عقود الغاز وتوسيع التعاون في قطاع الكهرباء. كما بحث الطرفان إزالة العقبات أمام التجارة والاستثمار، وتفعيل معابر حدودية جديدة، إضافة إلى متابعة مشروع ربط السكك الحديدية بين البلدين في منطقة “جشم ثریا- آراليك”.
وفي خطوة لتعزيز التواصل بين المحافظات الحدودية، أُعلن عن قرب افتتاح القنصلية الإيرانية في مدينة “وان” جنوب شرقي تركيا، بينما شدد فيدان على ضرورة زيادة عدد المعابر الحدودية وتشغيلها بكفاءة، مشيرًا إلى أن البلدين “متأخران على صعيد اللوجستيات واستخدام المعابر”. هذه الخطوات تعكس رغبة مشتركة في تجاوز التحديات اللوجستية وتسهيل حركة التجارة والاستثمار بين البلدين، مما يعزز العلاقات التركية الإيرانية.
الملفات الإقليمية الساخنة: غزة وسوريا والقوقاز
لم تقتصر المباحثات على الجانب الاقتصادي، بل احتلت القضايا الإقليمية مساحة واسعة من الزيارة. أكد عراقجي أن غزة كانت “في صدارة” المباحثات، مشددًا على ضرورة وقف المجازر بحق المدنيين والتنسيق لتخفيف التوتر. أما في الشأن السوري، فقد شددت طهران وأنقرة على أهمية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية ورفض الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا ولبنان، التي وصفها عراقجي بأنها “محاولات لزعزعة استقرار المنطقة”.
كما تناول الجانبان أوضاع منطقة القوقاز، وأكدا على ضرورة أن يقوم استقرارها على تعاون الدول المعنية بعيدًا عن التدخلات الخارجية. وفي ملف مكافحة الإرهاب، أكد عراقجي دعم إيران لعملية “نزع سلاح حزب العمال الكردستاني”، مشيرًا إلى اتفاق الطرفين على تفكيك جميع التنظيمات المسلحة التي تهدد أمن المنطقة.
البرنامج النووي الإيراني ومواجهة موجات الهجرة
ناقش الوزيران آخر التطورات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، بما في ذلك تفعيل آلية الزناد في مجلس الأمن وعودة العقوبات الأممية والأوروبية على إيران. وأوضح فيدان أن تركيا “تقف إلى جانب إيران” وتؤكد على حل الملف النووي في إطار القانون الدولي ومن خلال الحوار، داعيًا إلى رفع العقوبات غير العادلة المفروضة على طهران.
كما شملت الزيارة مناقشة سبل مواجهة موجات الهجرة القادمة من أفغانستان، في وقت تتشارك فيه أنقرة وطهران أعباء تدفق اللاجئين عبر حدودهما الشرقية، إلى جانب ذلك، تبادل الوزيران وجهات النظر حول الحرب في أوكرانيا والعلاقات مع روسيا. هذه القضايا تعكس التحديات الإقليمية المعقدة التي تتطلب تنسيقًا وثيقًا بين أنقرة وطهران.
أهمية الزيارة وتوقعات مستقبلية
يرى الباحث السياسي رضا غبيشاوي أن زيارة وزير الخارجية التركي إلى طهران تكتسب أهمية إستراتيجية في سياق التصعيد الإسرائيلي الأخير، معتبرًا أن طهران وأنقرة تسعيان إلى تعزيز التنسيق لمواجهة التهديدات الإسرائيلية واستثمار النفوذ التركي في المنطقة. وأشار إلى أن تركيا قد تلعب دورًا كوسيط بين طهران وتل أبيب، كما فعلت سابقًا خلال حرب غزة، مما يعكس رغبة أنقرة في الاحتفاظ بمساحة من التأثير الإقليمي.
من جانبها، قالت الباحثة السياسية عفيفة عابدي إن قراءة زيارة فيدان إلى طهران ينبغي أن تتم في إطار “التحولات الإقليمية المتسارعة”، وليس فقط من زاوية الملفات الثنائية. وأوضحت أن أنقرة باتت أكثر ميلاً للتشاور والتنسيق التكتيكي مع طهران في قضايا المنطقة، وذلك بعد تصاعد التهديدات الأمنية الناجمة عن التحركات الإسرائيلية.
نحو تعاون إقليمي استراتيجي
الخبراء الإيرانيون يرون أن زيارة فيدان تعكس رغبة متبادلة في تعميق التنسيق بين إيران وتركيا في مرحلة إقليمية شديدة التعقيد، من غزة وسوريا إلى القوقاز. كما تشير إلى سعي البلدين لتفعيل قنوات التعاون الاقتصادي وتحييد التباينات الأمنية والسياسية عبر الحوار. هذه الزيارة تمثل خطوة مهمة نحو بناء شراكة إقليمية قوية بين أنقرة وطهران، قادرة على مواجهة التحديات المشتركة وتعزيز الاستقرار في المنطقة. إن تعزيز التعاون الإقليمي بين تركيا وإيران يمثل ضرورة حتمية في ظل الظروف الحالية، ويمكن أن يشكل بداية لتثبيت نموذج جديد من التعاون الإقليمي في الشرق الأوسط. السياسة التركية تجاه إيران تشهد تحولاً ملحوظاً نحو التقارب والتنسيق.















