تُعدّ قضية الشهداء المجهولين في غزة من أكثر القضايا إيلامًا وتعقيدًا في ظل الحرب المستمرة. ففي مشهدٍ يعكس حجم المأساة الإنسانية، اضطرت وزارة الصحة في قطاع غزة إلى دفن 15 جُثمانًا لم يتم التعرف على هويتها، بعد احتجازها لفترة من قِبل السلطات الإسرائيلية. يأتي هذا الإجراء كجزء من اتفاق تبادل الأسرى والجثامين الذي تم التوصل إليه في إطار اتفاق وقف إطلاق النار. هذا المقال يسلط الضوء على تفاصيل هذه القضية المؤلمة، التحديات التي تواجه التعرف على الهوية، وجهود وزارة الصحة والدفاع المدني في غزة للتعامل مع هذا الملف الإنساني الحساس.

عملية تسليم الجثامين في إطار اتفاق وقف إطلاق النار

في إطار اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، شهدنا عملية تبادل جثامين بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. قامت المقاومة الفلسطينية بتسليم جثامين أسرى إسرائيليين، في حين تسلمت وزارة الصحة الفلسطينية جثامين 15 شهيدًا كانت محتجزة لدى الجيش الإسرائيلي عبر الصليب الأحمر. هذا التبادل، على الرغم من أهميته الإنسانية، يأتي في ظل ظروف قاسية ومعقدة للغاية.

وارتفع إجمالي عدد جثامين الشهداء المجهولين الذين تم استلامهم إلى 345 جثمانًا. ومع الأسف، تم التعرف على هوية 99 شهيدًا فقط حتى الآن، مما يعني أن هناك أكثر من 246 جثمانًا لا يزال مصيرهم مجهولاً، ولا يعرف أهاليهم مصيرهم.

التحديات التي تواجه عملية التعرف على هوية الشهداء

تواجه وزارة الصحة في غزة تحديات كبيرة في عملية التعرف على هوية الشهداء المجهولين. العديد من الجثامين وصل في حالات متحللة أو متجمدة، مما يجعل عملية الفحص والتوثيق والتعرف عليها معقدة للغاية.

آثار الإصابات

كشفت الوزارة عن وجود جثث عليها آثار إطلاق نار في الصدر والرأس، وأخرى تحمل شظايا وكسورا في الجمجمة والأطراف. هذه الإصابات تعيق بشكل كبير عملية التعرف على الهوية من خلال الملامح الظاهرية.

نقص الموارد والبنية التحتية

بالإضافة إلى ذلك، تعاني غزة من نقص حاد في الموارد والبنية التحتية اللازمة لعملية التعرف على الهوية، بما في ذلك الثلاجات والمختبرات المتخصصة. ونتيجة لعدم توافر ثلاجات كافية، اضطرت الوزارة إلى دفن الجثامين التي لم يتم التعرف إليها في مقابر مجهولي الهوية، مع الاحتفاظ بالصور تحسبًا لأي عملية توثيق أو مطابقة مستقبلية.

جهود وزارة الصحة والدفاع المدني في البحث وإحصاء الضحايا

تبذل وزارة الصحة والدفاع المدني في غزة جهودًا مضنية للبحث عن المفقودين وانتشال الجثامين من تحت الأنقاض. الناطق باسم الدفاع المدني في غزة، محمود البصل، وصف ملف المفقودين وانتشال الجثامين بأنه “من أصعب الملفات وأكثرها إيلامًا”. وأكد أن آلاف الفلسطينيين ما زالوا مفقودين تحت أنقاض المباني المدمرة، في ظل توقف شبه كامل لعمليات البحث والإنقاذ بسبب الظروف الأمنية الصعبة.

وقد تمكن الدفاع المدني من انتشال مئات الجثامين خلال الأشهر الماضية، ودُفن الكثير منهم في مقابر مجهولي الهوية في دير البلح. وتشمل هذه الجثامين تلك التي سلمتها الجهات الفلسطينية من الجانب الإسرائيلي دون القدرة على تحديد هوياتها.

آخر المستجدات في ملف تبادل الأسرى والجثامين

في إطار صفقة التبادل، سلمت فصائل المقاومة الفلسطينية 20 أسيرًا إسرائيليًا حيًا وحوالي 28 جثة أسير إسرائيلي. في المقابل، تدّعي إسرائيل أن جثتي أسيرين لا تزالان محتجزتان في قطاع غزة، وترهن بدء التفاوض لتدشين المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بتسلمها هاتين الجثتين.

هذا الشرط الإسرائيلي يعقد سير عملية التبادل ويؤخر عودة الشهداء المجهولين إلى أهاليهم. وفي الوقت نفسه، يثير تساؤلات حول مصير الجثامين الأخرى التي قد تكون لا تزال محتجزة لدى الجانب الإسرائيلي.

رابط إلكتروني للتعرف على الشهداء

في خطوة تهدف إلى مساعدة الأهالي في التعرف على ذويهم، أطلقت وزارة الصحة في غزة رابطًا إلكترونيًا يحتوي على صور منتقاة للجثامين. وقد أكدت الوزارة أن هذه الصور “تراعي كرامة المتوفى ولا تمس خصوصيته”، وذلك لتوفير فرصة للأهالي للتعرف على ذويهم من بُعد قبل انتقالهم إلى المستشفيات. هذه المبادرة مهمة للغاية، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها القطاع، حيث يصعب على العديد من الأهالي الوصول إلى المستشفيات أو الاطلاع على الجثامين بشكل مباشر.

في الختام، تبقى قضية الشهداء المجهولين في غزة جرحًا مفتوحًا يذكرنا يوميًا بحجم المأساة الإنسانية التي يعيشها القطاع. إن جهود وزارة الصحة والدفاع المدني في البحث عن المفقودين وانتشال الجثامين وتحديد الهوية هي جهود بطولية تستحق كل التقدير والاحترام. كما أن استمرار الضغط الدولي من أجل إتمام عملية تبادل الأسرى والجثامين بالكامل هو مطلب إنساني عاجل يجب تلبيته. ندعو الجميع إلى التضامن مع شعبنا الفلسطيني في هذه الظروف العصيبة، ومساعدة الأهالي في التعرف على ذويهم وإغلاق هذا الملف المؤلم.

شاركها.
اترك تعليقاً