بحلول مطلع عام 2025، تجاوز عدد النساء في الجيش الأوكراني 70 ألف جندية، مما يعكس تحولًا جذريًا في دور المرأة في الصراعات المسلحة. لم يعد الأمر مجرد دعم لوجستي، بل مشاركة فعالة في الخطوط الأمامية، وحتى قيادة وحدات قتالية بالكامل، وهو مشهد لم يكن متوقعًا قبل الغزو الروسي قبل أربع سنوات. هذا التغيير الديموغرافي يعكس الحاجة الماسة للقوى البشرية، ولكنه أيضًا يمثل اعترافًا متزايدًا بقدرات المرأة وإمكانياتها في الدفاع عن البلاد. بالاضافة الى ذلك، يشير هذا التحول إلى التغيرات الاجتماعية والثقافية التي تشهدها أوكرانيا، والتي تفتح الباب أمام دور أوسع للمرأة في كافة المجالات، بما فيها المجال العسكري.
تطور دور المرأة في الجيش الأوكراني
لسنوات طويلة، كانت النساء في الجيش الأوكراني تقتصر أدوارهن على مهام داعمة كالتطبيب والطهي والإدارة. على الرغم من مشاركة بعضهن في العمليات القتالية بشكل غير رسمي، إلا أنهن لم يتمتعن بنفس الحقوق والاعتراف الذي يحظى به الجنود الذكور. كان هذا يعكس تصورًا مجتمعيًا راسخًا حول الأدوار المناسبة لكل جنس، وتقييدًا قانونيًا يحرمهن من الوصول إلى المناصب القتالية.
بدأت هذه القيود في التلاشي تدريجيًا اعتبارًا من عام 2016، وذلك من خلال سلسلة من الإصلاحات التي هدفت إلى تحقيق المساواة بين الجنسين في الجيش. ووصلت هذه الإصلاحات إلى ذروتها في عام 2022 مع إلغاء جميع المحظورات التي كانت تمنع النساء من تولي أي منصب متاح للرجال. هذه الخطوة الجريئة لم تكن مجرد استجابة لمتطلبات الحرب، بل كانت أيضًا تعبيرًا عن إرادة أوكرانيا في بناء جيش حديث يعتمد على الكفاءة والجدارة بغض النظر عن الجنس.
من المتطوعة إلى قائدة وحدة: قصة داريا
تعتبر قصة داريا، قائدة أول وحدة قتالية نسائية بالكامل في الحرس الوطني الأوكراني، تجسيدًا لهذا التحول. عادت داريا، التي تبلغ من العمر 35 عامًا، إلى كييف في اليوم الأول للغزو الروسي وهي مستعدة للانضمام إلى القتال. كانت قد أتمت بالفعل تدريبات متقدمة في القنص والإسعافات الأولية والتكتيكات القتالية.
ولكنها واجهت صعوبات في البداية بسبب الصور النمطية السائدة. فمسؤولو التجنيد، نظرًا لمظهرها الهادئ وحملها لحقيبة إسعافات أولية، افترضوا أنها مسعفة فقط، وأكدوا لها أن النساء لن يتم قبولهن في الأدوار القتالية. لم تستسلم داريا، واستمرت في البحث عن مكان لها في الجيش.
كانت رؤيتها واضحة: “قررت ألا أكون ضحية بل أن أكون المفترِسة”. بعد فترة من الإصرار، انضمت إلى الحرس الوطني وتدرّبت على تشغيل الطائرات المسيّرة الهجومية، وانخرطت في بعض من أشرس المعارك، مثل معركة أفدييفكا.
الوحدة النسائية: تجربة جديدة على الجبهة
أثمرت جهود داريا عن تحقيق حلمها بتشكيل وحدة قتالية نسائية بالكامل. ففي منطقة زاباروجيا، جمعت داريا فريقًا من خمس نساء يتمتعن بمهارات وقدرات متميزة: أوليكساندرا وفيكتوريا وتتيانا ومارينا، اللاتي جرى جمعهن من وحدات مختلفة.
تعايش الفريق في شقة صغيرة، ولكن ذلك لم يثنهن عن أداء مهمتهن. بدأن رحلتهن اليومية نحو الجبهة، حيث يقمن بتشغيل طائرات مسيّرة مسلحة، ويصنعن المتفجرات، ويدافعن عن مواقعهن بشجاعة وإصرار.
أشارت داريا إلى أن هذه التجربة تتيح لهن ولغيرهن فرصة للتركيز على العمل بعيدًا عن النظرة النمطية، مضيفةً : “لن نربح هذه الحرب من دون المرأة المقاتلة“.
التحديات المستقبلية وتمكين المرأة
على الرغم من التقدم الكبير الذي أحرزته الجيش الأوكراني في مجال تمكين المرأة، إلا أن هناك العديد من التحديات التي لا تزال قائمة. من بين هذه التحديات توفير التدريب المناسب والعتاد الكافي للنساء، وضمان حصولهن على نفس الفرص الترقوية التي يتمتع بها الرجال. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى تغيير الثقافة العسكرية السائدة، والتصدي للتحرش والتمييز ضد المرأة.
كما أن هناك حاجة لتحسين البنية التحتية والإمدادات لتلبية الاحتياجات الخاصة للنساء في الجيش، مثل توفير الملابس الداخلية المناسبة والأدوية الخاصة بصحة المرأة.
إن الاستثمار في الموارد البشرية العسكرية النسائية ليس مجرد ضرورة أخلاقية، بل هو أيضًا استثمار استراتيجي يعزز قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها. فمن خلال إتاحة الفرصة لجميع المواطنات للمشاركة في حماية البلاد، يمكن لأوكرانيا أن تستفيد من طاقات وإمكانات هائلة تساهم في تحقيق النصر.
في الختام، يشكل دور المرأة المتزايد في الجيش الأوكراني قصة ملهمة عن الشجاعة والإصرار والتغيير. إن هذه التحولات لا تعكس فقط الحاجة إلى القوى البشرية في مواجهة العدوان، بل تشير أيضًا إلى مستقبل أكثر مساواة وتمكينًا للمرأة في أوكرانيا وخارجها. من الضروري الآن مواصلة دعم وتمكين المرأة في الجيش، وتوفير جميع الأدوات والموارد اللازمة لضمان نجاحها في ساحة المعركة.















