ليلى العلمي، الكاتبة المغربية-الأمريكية، هي صوت متميز يتردد صداه في الآفاق الأدبية المعاصرة. قصة نشأتها ورحلتها الإبداعية فريدة من نوعها، حيث تشكلت شخصيتها الأدبية في خضم صراعات الهوية واللغة والهجرة، لتتبلور في أعمال أدبية مكتوبة باللغة الإنجليزية، لكنها تنضح بروح وثقافة المغرب. هذه المقالة تستكشف مسيرة هذه المبدعة، وكيف تحولت من قارئة فرنسية إلى روائية مرموقة تكتب بالإنجليزية، وكيف تتناول أعمالها قضايا الهجرة والانتماء والهوية.

نشأة في ظل اللغات المتعددة وتشكيل الهوية

ولدت ليلى العلمي عام 1968 في المغرب، في بيئة عائلية ومدرسية غنية بالتنوع اللغوي والثقافي. كانت اللغة الفرنسية، لغة الاستعمار، حاضرة بقوة في نظام التعليم والثقافة، لكن اللغة العربية كانت أيضًا جزءًا أساسيًا من حياة ليلى. هذا التمازج اللغوي ترك أثرًا عميقًا على مخيالها، لكنها في البداية انغمست في عالم القصص المصورة والأدب المترجم إلى الفرنسية.

لم يكن اختيارها للكتابة باللغة الإنجليزية أمرًا مقصودًا في البداية. بل كانت محاولات الكتابة بالفرنسية غير مكتملة، قبل أن تدفعها ظروفها الأكاديمية إلى دراسة اللغة الإنجليزية، وفتح هذا الباب أمامها آفاقًا جديدة، مع أنها لم تتوقع أبدًا أن تصبح هذه اللغة وسيلتها للتعبير عن ذاتها.

رحلة التعليم والتحول اللغوي

انتقلت ليلى إلى الولايات المتحدة في مطلع التسعينيات لمتابعة دراستها للحصول على درجة الدكتوراه في اللسانيات بجامعة جنوب كاليفورنيا. كانت تأمل في العودة إلى المغرب والعمل كأستاذة جامعية، لكن الحياة قادتها إلى مسار مختلف. فبعد إكمال دراستها، وجدت نفسها مهاجرة، مقيمة في الولايات المتحدة، ومضطرة للتكيف مع واقع جديد. هذا التحول الجذري كان له تأثير كبير على رؤيتها الإبداعية والنقدية.

اللغة الإنجليزية كلغة للاغتراب والتعبير

اكتشفت ليلى أن اللغة الإنجليزية، على الرغم من كونها لغة جديدة عليها، تقدم لها مساحة للتعبير عن تجربتها الفريدة كـ”مهاجرة مشروطة” كما وصفتها بنفسها في كتابها الذي صدر عام 2020. اعترافًا بهذا الواقع، اختارت أن تكتب عن أوضاع المهاجرين في أمريكا، والعقبات التي تواجههم، والصراعات التي يخوضونها من أجل الانتماء.

ترى ليلى أن اللغة الإنجليزية، في سياقها الخاص، توفر نوعًا من الحياد والشمولية مقارنة بالفرنسية التي تحمل في طياتها ذاكرة الاستعمار. لكنها في الوقت نفسه، تؤكد على استمرار تأثير اللغة العربية في أدبها، فهي لغة الأحلام والتفكير والتخيل. تصف عملية الكتابة بأنها ترجمة مستمرة من العربية إلى الإنجليزية، مما يضفي على أعمالها طابعًا مميزًا.

استكشاف قضايا الهوية والانتماء

تركز أعمال ليلى العلمي بشكل كبير على قضايا الهوية والانتماء والهجرة. تعرض شخصياتها في مواقف حرجة، تتأرجح بين عالمين مختلفين، وتصارع مشاعر الغربة والضياع. في قصصها ورواياتها، يمكننا أن نجد صدى لتجارب الملايين من المهاجرين الذين يسعون إلى حياة أفضل، لكنهم يواجهون في الوقت نفسه تحديات كبيرة.

أعمال ليلى العلمي: مزيج من التاريخ والواقع

على مدار عقدين من الزمن، قدمت ليلى العلمي ست روايات حظيت بإشادة واسعة من النقاد والقراء على حد سواء. تتميز أعمالها بقدرتها على المزج بين التاريخ والواقع، وبين الأدب والاجتماع.

  • “الأمل ومساعٍ خطيرة أخرى” (2005): مجموعة قصصية مؤثرة تناولت مأساة المهاجرين المغاربة الذين فقدوا حياتهم في البحر أثناء محاولتهم الوصول إلى إسبانيا.
  • “الابن السري” (2009): رواية تدور أحداثها في الدار البيضاء، وتستكشف قصة شاب يبحث عن هويته الحقيقية في خضم الفقر والظلم الاجتماعي.
  • “ما رواه المغربي” (2014): من أبرز أعمالها، رواية تاريخية مستوحاة من قصة أول مستكشف أسود لأمريكا، وهو مغربي مُستعبد شارك في حملة نارفايز. هذه الرواية حازت على العديد من الجوائز المرموقة.
  • “الأميركيون الآخرون” (2019): رواية تتناول أوضاع المهاجرين في أمريكا من خلال قصة مهاجر مغربي توفي في كاليفورنيا.
  • “مواطنون مشروطون” (2020): عمل غير روائي يقدم تحليلًا نقديًا لمعنى الانتماء إلى أمريكا، وكيف أن تجربة المواطنة غالبًا ما تكون مشروطة بعوامل عرقية وقومية.

ثقافة المهجر والتعبير الأدبي

على الرغم من استقرارها في أمريكا، تظل ليلى العلمي متمسكة بجذورها المغربية وثقافتها العربية. تعتبر نفسها “ضيفة” على اللغة الإنجليزية، وأن هذا الشعور بالغربة هو الذي يدفعها إلى الإبداع. ترى أن شخصياتها تتخيل في أغلب الأحيان أنها تتحدث بالعربية، وهي بدورها مهمتها ترجمة هذا الحوار إلى الإنجليزية. وهذا الأسلوب الفريد يعكس قدرة ليلى على الجمع بين ثقافتين مختلفتين في عمل أدبي متكامل.

وفي الختام، تعتبر ليلى العلمي نموذجًا فريدًا للكاتبة التي نجحت في تجاوز حواجز اللغة والثقافة، وتقديم أعمال أدبية أصيلة تعبر عن تجارب إنسانية عالمية. رحلتها الإبداعية مستمرة، ولا شك أنها ستواصل إثراء المكتبة الأدبية بأعمال جديدة ومميزة. ندعو القراء للاطلاع على أعمالها واستكشاف هذا العالم الأدبي الغني والمتنوع.

شاركها.
اترك تعليقاً