في ظل التزايد الهائل لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء العالم، يزداد القلق بشأن تأثيرها على الأطفال، وخاصة الفئات العمرية الأصغر. فقد أطلق اللورد ناش، وزير التعليم البريطاني الأسبق، تحذيراً قوياً حول تزايد تعرض الأطفال دون سن الخامسة لهذه المنصات، مشيراً إلى أنهم يتعرضون لخوارزميات مصممة للبالغين. هذا الأمر يثير تساؤلات مهمة حول حماية الأطفال في العصر الرقمي، ويستدعي نقاشاً معمقاً حول وسائل التواصل الاجتماعي والأطفال وتأثيراتها المحتملة.

تزايد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بين الأطفال دون سن الخامسة

أظهر تحليل حديث صادر عن مركز العدالة الاجتماعية “سي إس جيه” (CSJ) في بريطانيا أن أكثر من 800 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين 3 و5 سنوات يستخدمون تطبيقات أو مواقع وسائل التواصل الاجتماعي. يعتمد هذا الرقم على بيانات سكانية حديثة، بالإضافة إلى دراسة سابقة أجرتها هيئة الاتصالات “أوفكوم” كشفت أن حوالي 40% من الآباء يعترفون بأن أطفالهم في هذه الفئة العمرية يستخدمون منصة تواصل اجتماعي واحدة على الأقل.

هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات؛ بل تعكس واقعاً جديداً يواجه فيه الأطفال العالم الرقمي في سن مبكرة للغاية. ففي وقت لم تتشكل بعد لديهم القدرة على الفهم النقدي والتمييز بين المحتوى الواقعي والمحتوى الترويجي، يتعرضون لتيارات من المعلومات والصور قد لا تكون مناسبة لأعمارهم.

المخاطر المحتملة على النمو والتطور

يشير الخبراء إلى أن التعرض المبكر لـ وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يكون له آثار سلبية على النمو الإدراكي والعاطفي للأطفال. فخوارزميات هذه المنصات مصممة لإبقاء المستخدمين منخرطين لأطول فترة ممكنة، وهذا قد يؤدي إلى إدمان الشاشة وتقليل الوقت المخصص للأنشطة الحيوية الأخرى مثل اللعب الحر والتفاعل الاجتماعي المباشر.

بالإضافة إلى ذلك، قد يتعرض الأطفال للمحتوى غير اللائق أو للمضايقات والتنمر عبر الإنترنت، مما يؤثر على صحتهم النفسية وتقديرهم لذاتهم. إن عدم قدرتهم على فهم طبيعة هذه المنصات وكيفية عملها يزيد من خطر استغلالهم أو تعرضهم للمعلومات المضللة.

مبادرات لحماية الأطفال في العالم الرقمي

في مواجهة هذه التحديات، تتزايد الدعوات لتشديد الرقابة على استخدام الأطفال للإنترنت وتنظيم منصات التواصل الاجتماعي. وقد اتخذت بعض الدول خطوات ملموسة في هذا الاتجاه.

ففي أستراليا، على سبيل المثال، سيدخل قريبا قانون جديد حيز التنفيذ يلزم منصات التواصل الاجتماعي باتخاذ إجراءات فعالة لمنع الأطفال دون سن 16 عامًا من إنشاء حسابات عليها. هذا القانون يعتبر سابقة عالمية في مجال حماية الأطفال على الإنترنت.

دعوات بريطانية لتقييد الوصول

في بريطانيا، يتصاعد الضغط على الحكومة لتبني إجراءات مماثلة. يقترح البعض حظر الهواتف الذكية داخل المدارس، بينما يؤكد آخرون على الحاجة إلى حملة توعية عامة لتثقيف الآباء حول مخاطر التواصل الاجتماعي على أطفالهم. وكما ذكر اللورد ناش، هناك دعوة لرفع سن الاستخدام القانوني لوسائل التواصل الاجتماعي إلى 16 عامًا، و تحميل شركات التكنولوجيا مسؤولية أكبر في حماية المستخدمين الصغار.

ويؤكد ويس ستريتينغ، وزير الصحة البريطاني، على قلقه من ترك الأطفال “وحدهم في مواجهة العالم الرقمي المتوحش”، محذراً من “الأثر العقلي المدمر للإفراط في التمرير” على هذه المنصات.

دور الأهل والمؤسسات التعليمية

لا يمكن أن تقتصر جهود حماية الأطفال في العصر الرقمي على التشريعات الحكومية والإجراءات التي تتخذها شركات التكنولوجيا. بل يجب أن يشارك الأهل والمربون دوراً فعالاً في توجيه الأطفال وتثقيفهم حول كيفية استخدام الإنترنت بشكل آمن ومسؤول.

يمكن للوالدين وضع قواعد واضحة بشأن وقت الشاشة والمواقع والتطبيقات التي يُسمح لأطفالهم باستخدامها. كما يمكنهم استخدام أدوات الرقابة الأبوية لفلترة المحتوى غير اللائق ومراقبة نشاط أطفالهم على الإنترنت.

بالإضافة إلى ذلك، يجب على المدارس والمؤسسات التعليمية تضمين موضوعات حول السلامة الرقمية والوعي الإعلامي في مناهجها الدراسية. يجب أن يتعلم الأطفال كيفية التعرف على المعلومات المضللة وحماية خصوصيتهم والتصرف بمسؤولية في الفضاء الرقمي.

الخلاصة: نحو بيئة رقمية أكثر أمانًا للأطفال

إن تزايد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والأطفال يمثل تحدياً كبيراً يتطلب تضافر الجهود من جميع الأطراف المعنية. من خلال تبني التشريعات المناسبة، وزيادة الوعي العام، وتعزيز دور الأهل والمؤسسات التعليمية، يمكننا خلق بيئة رقمية أكثر أماناً للأطفال، تسمح لهم بالاستفادة من فوائد التكنولوجيا دون التعرض لمخاطرها. يجب أن تكون حماية أطفالنا في العصر الرقمي أولوية قصوى لنا جميعًا. هل أنت مستعد لبدء هذه المحادثة في منزلك ومجتمعك؟

شاركها.
اترك تعليقاً