تعتبر الحرب الدائرة في قطاع غزة من أكثر الصراعات إثارة للقلق في العصر الحديث، وتتوالى التقارير التي تكشف عن ممارسات صادمة. آخر هذه التقارير، تحقيق صحفي أمريكي كشف عن تجريف جثث الفلسطينيين ودفنها في قبور ضحلة قرب معبر زيكيم شمالي القطاع، مما أثار غضبًا واسعًا ودعوات لمساءلة إسرائيل. هذا التحقيق يمثل دليلاً موثقاً على ما وصفته حركة حماس بتعمد إسرائيل تحويل المساعدات الإنسانية إلى مصائد موت جماعي.
تحقيق “سي إن إن” يكشف عن ممارسات صادمة قرب معبر زيكيم
كشف تحقيق أجرته شبكة “سي إن إن” الأمريكية عن تفاصيل مروعة حول تعامل الجيش الإسرائيلي مع جثث الفلسطينيين الذين قتلوا بالقرب من معبر زيكيم أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات الإنسانية. التحقيق، الذي استند إلى مئات مقاطع الفيديو والصور، بالإضافة إلى شهادات شهود عيان وسائقي شاحنات المساعدات، أظهر قيام الجيش الإسرائيلي بتجريف جثث الضحايا ودفنها في قبور ضحلة مجهولة، وفي بعض الحالات ترك الرفات مكشوفة للتحلل في العراء.
تفاصيل مروعة من شهود العيان
وصف ستة من سائقي شاحنات المساعدات المحلية المشاهد بأنها مريعة، مؤكدين أن رؤية الجثث المتناثرة والمتحللة كانت أمرًا شائعًا. وأفادوا بأن الجرافات الإسرائيلية كانت تقوم في بعض الأحيان بإزالة الجثث وإلقائها على الرمال. كما نقلت الشبكة عن جندي إسرائيلي شهادته حول ترك 9 جثث لفلسطينيين عزل لتتحلل لمدة يومين تقريبًا بالقرب من قاعدته، واصفًا الرائحة النفاذة للجثث المتعفنة والكلاب التي تنبش البقايا بأنه مشهد “مريع”.
أدلة دامغة تدعم التحقيق
بالإضافة إلى الشهادات، قدم التحقيق أدلة دامغة تدعم هذه المزاعم، بما في ذلك صور الأقمار الصناعية والصور الفوتوغرافية التي تظهر وجودًا ثابتًا للجرافات الإسرائيلية في المنطقة من أواخر يوليو/تموز إلى أوائل أغسطس/آب. وتظهر علامات نشاط الجرافات حول معبر زيكيم بدءًا من منتصف يونيو/حزيران، بعد فتح طريق المساعدات مباشرة، وحتى إغلاقه في 12 سبتمبر/أيلول. هذه الأدلة تعزز مصداقية التحقيق وتثير تساؤلات جدية حول ممارسات الجيش الإسرائيلي.
حماس تدين وتصف ما حدث بـ “جرائم حرب”
أدانت حركة حماس بشدة ما كشف عنه التحقيق، واصفة إياه بأنه “جرائم حرب واعتداءات ممنهجة” تضاف إلى سجل “الإبادة الصهيونية” ضد الشعب الفلسطيني. وأكدت الحركة أن هذه الفظائع لم تكن أحداثًا عابرة، بل عمليات قتل موثقة ارتكبتها القوات الإسرائيلية أمام أنظار العالم. كما اتهمت الإدارة الأمريكية وبعض العواصم الغربية بالتواطؤ في “الإبادة” وعرقلة الملاحقة القضائية الدولية لمجرمي الحرب.
دعوات للمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية
طالبت حماس المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية وباقي المحاكم الوطنية المختصة بمتابعة القضية وإضافتها إلى ملفات توثيق الانتهاكات بهدف ملاحقة قادة إسرائيل ومحاسبتهم على ما ارتكبوه بحق الفلسطينيين في قطاع غزة. هذه الدعوات تأتي في سياق المطالبات المتزايدة بضرورة تحقيق العدالة والمساءلة عن الانتهاكات التي ارتكبت خلال الحرب.
سياق أوسع: حرب الإبادة في غزة وتداعياتها
يأتي هذا التحقيق في سياق حرب الإبادة التي استمرت لعامين، والتي شهدت ارتكاب جيش الاحتلال الإسرائيلي مجازر بحق منتظري المساعدات المجوعين في محيط معبر زيكيم ومناطق أخرى بقطاع غزة. هذه المجازر أسفرت عن سقوط مئات الشهداء والجرحى بشكل يومي. ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، شنت إسرائيل حربًا واسعة النطاق على غزة، بدعم أمريكي واسع، خلفت أكثر من 70 ألف شهيد ونحو 171 ألف جريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء.
اتفاق وقف إطلاق النار والانتهاكات المستمرة
في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2025، بدأ سريان اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل أسرى بين حركة حماس وإسرائيل، وفقًا لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ومع ذلك، تخرق تل أبيب الاتفاق من وقت لآخر، بادعاءات مختلفة مثل تصفية قادة أو عناصر في الفصائل الفلسطينية، أو تخطي الخط الأصفر الفاصل بين مناطق القطاع. هذه الانتهاكات المستمرة تهدد استقرار الاتفاق وتزيد من معاناة الشعب الفلسطيني.
في الختام، يكشف تحقيق “سي إن إن” عن ممارسات مروعة ومخالفة للقانون الدولي، وتدعو إلى تحقيق دولي شامل ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم. إن انتهاكات حقوق الإنسان في غزة، بما في ذلك تجريف الجثث واستهداف المدنيين، تتطلب استجابة دولية قوية لضمان العدالة والمساءلة وحماية الشعب الفلسطيني. يجب على المجتمع الدولي أن يتحرك بشكل حاسم لوقف هذه الانتهاكات وضمان احترام القانون الدولي وحقوق الإنسان في قطاع غزة.















