لم يكن الطريق مفروشا بالورود أمام لؤي عصام، المهندس الشاب الذي لم يتجاوز الـ27 من عمره، لكنه حمل في قلبه حلما أكبر من سنواته بكثير. فقد تمكن هذا المهندس المصري من تحقيق إنجاز كبير بالعمل في شركة إيرباص الأوروبية، والمساهمة في تطوير تكنولوجيا الأقمار الصناعية، بما في ذلك مشروع الجيل الثاني من أقمار الملاحة الأوروبية “غاليليو”.

بدأت قصة لؤي مع الفضاء في طفولته، برفقة والده المهندس عصام جودة، هاوي الفلك والرئيس السابق للجمعية المصرية لعلوم الفلك. منذ ذلك الحين، نما شغفه بعالم الفضاء، وقرر دراسة هندسة الفضاء لتحقيق حلمه. لكن تحقيق هذا الحلم لم يكن سهلا، فقد واجه العديد من التحديات والعقبات في طريقه.

تحديات في مسيرة مهندس الفضاء

بعد إتمام المرحلة الثانوية، لم تكن الظروف مواتية للدراسة في الخارج، مما أخر خططه. ثم، بعد تخرجه من إحدى الجامعات الألمانية بدرجة الماجستير في هندسة الفضاء، واجه صعوبات في العثور على فرصة عمل مناسبة. لم يستسلم لؤي، بل استمر في البحث والتطوير، مستفيدا من كل تجربة يمر بها.

كانت رسالة الماجستير التي أعدها لؤي عصام نقطة تحول مهمة في مسيرته المهنية. فقد عمل على تطوير تصميم الهياكل الداعمة لصاروخ “أريان 6″، وهو مشروع تابع لوكالة الفضاء الأوروبية. هذا العمل أكسبه خبرة قيمة ومعرفة متعمقة في مجال تصميم الصواريخ.

بداية العمل في إيرباص

بعد فترة من البحث، تمكن لؤي من الحصول على وظيفة في شركة إيرباص الأوروبية، حيث يعمل حاليا كمهندس للاختبارات التشغيلية للأقمار الصناعية. تتضمن مهامه التأكد من أن جميع الأنظمة تعمل بشكل صحيح قبل إطلاق الأقمار إلى الفضاء. هذه المسؤولية تتطلب دقة عالية ومعرفة واسعة في مجال تكنولوجيا الأقمار الصناعية.

يساهم لؤي حاليا في مشروع الجيل الثاني من أقمار الملاحة الأوروبية “غاليليو”، وهو نظام ملاحة مستقل يهدف إلى توفير خدمات تحديد المواقع بدقة عالية. يعتبر هذا المشروع من أهم المشاريع في مجال الفضاء الأوروبي، ويساهم في تعزيز استقلالية أوروبا في مجال التكنولوجيا.

أهمية الشغف والإصرار في مجال الفضاء

يؤكد لؤي أن الشغف والإصرار هما العاملان الرئيسيان اللذان ساعداه على تجاوز التحديات وتحقيق حلمه. فقد كان حبه للفضاء هو الدافع الذي دفعه للاستمرار في الدراسة والعمل، حتى في أصعب الظروف. ويشير إلى أن العمل في مجال تحبه يجعل الطريق أكثر سلاسة، على الرغم من وجود العقبات.

لم تكن رحلة لؤي مجرد قصة نجاح مهني، بل كانت أيضا قصة عن الإيمان بالنفس والقدرة على تحقيق الأحلام. لقد أثبت أن الإصرار والمثابرة يمكن أن يجعلا المستحيل ممكنا. كما أن دعم الأسرة والمساندة من الأصدقاء كان لهما دور كبير في نجاحه.

نظرة مستقبلية على صناعة الفضاء العربية

بالحديث عن مستقبل صناعة الفضاء في العالم العربي، يرى لؤي أن هناك إمكانات كبيرة للنمو والتطور. يشير إلى أن بعض الدول العربية، مثل الإمارات العربية المتحدة ومصر والسلطنة، قد بدأت في اتخاذ خطوات جادة نحو تطوير صناعة الفضاء لديها. لكنه يؤكد أن تحقيق ذلك يتطلب تعاونا واسعا بين الدول العربية، وتمويلا كبيرا، وتدريب أجيال جديدة من المهندسين والعلماء.

ويضيف أن وجود نظام تحديد مواقع عربي مستقل يمكن أن يعزز استقلالية الدول العربية في مجال التكنولوجيا، ويساهم في تحقيق التنمية المستدامة. لكنه يشدد على أن ذلك يتطلب جهودا مشتركة ورؤية واضحة.

تعتبر قصة لؤي عصام نموذجا يحتذى به للشباب العربي الطموح، الذي يحلم بتحقيق إنجازات كبيرة في مجال العلوم والتكنولوجيا. فهي قصة عن الإصرار والشغف والإيمان بالنفس، وعن القدرة على تحقيق الأحلام مهما كانت التحديات. هندسة الفضاء مجال واعد يتطلب جهودا متواصلة وتفانيا في العمل.

من المتوقع أن تشهد السنوات القادمة تطورات كبيرة في مجال الفضاء الأوروبي والعربي، مع استمرار العمل على مشاريع مثل “غاليليو” وتزايد الاستثمارات في البحث والتطوير. وسيكون لمهندسين مثل لؤي عصام دور كبير في تحقيق هذه التطورات، والمساهمة في بناء مستقبل أفضل للبشرية. يبقى التحدي الأكبر هو توحيد الجهود العربية لإنشاء صناعة فضاء عربية قادرة على المنافسة عالميا.

شاركها.
اترك تعليقاً