في تطور لافت يثير التساؤلات حول مستقبل السياسة الأمريكية في المنطقة، أعلن المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توم براك، عن قرار الرئيس دونالد ترامب بمنح الرئيس السوري أحمد الشرع فرصة كاملة لإرساء نظام ديمقراطي خاص به. يأتي هذا الإعلان في ظل تحولات متسارعة في المشهد السوري، وتصعيدًا إسرائيليًا مقلقًا في جنوب البلاد، مما يضع المنطقة أمام سيناريوهات جديدة. هذا التحول في الموقف الأمريكي تجاه سوريا يمثل نقطة تحول محورية تستحق التحليل المتعمق.
تحول في السياسة الأمريكية تجاه سوريا
صرح براك خلال مشاركته في منتدى الدوحة بأن واشنطن تتخذ نهجًا مختلفًا تمامًا في تعاملها مع الملف السوري مقارنة بالماضي. وأكد أن الإدارة الأمريكية لن تفرض على سوريا نماذج ديمقراطية جاهزة، بل ستتيح لها بناء نظامها السياسي الخاص.
“لقد قلنا للجانب السوري إننا لن نرهق كاهله بالبنى الموجودة من الماضي، وقررنا أن نعطيه الفرصة لإرساء بنيته الديمقراطية الخاصة” – هذا ما أكده المبعوث الأمريكي، مشيرًا إلى رغبة واشنطن في الابتعاد عن التدخل المباشر في الشؤون الداخلية السورية.
يعكس هذا القرار بدايةً منه، ربما، شعورًا بالإرهاق من سنوات طويلة من عدم الاستقرار والتدخل في الأزمة السورية. وقد يكون نابعًا من تقييم جديد للأولويات الأمريكية، يركز على تجنب المزيد من التصعيد في المنطقة.
دوافع القرار الأمريكي
هناك عدة عوامل قد تكون دفعت الرئيس ترامب لاتخاذ هذا القرار. في المقام الأول، يبرز التركيز المتزايد على مواجهة التحديات الاقتصادية الداخلية في الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، ربما يكون ترامب قد رأى أن الضغط المستمر على سوريا لم يحقق النتائج المرجوة، وأن اتباع نهج أكثر مرونة قد يكون له تأثير إيجابي على الاستقرار الإقليمي.
علاوة على ذلك، لا يمكن تجاهل تصريحات ترامب السابقة التي دعت إسرائيل إلى الحفاظ على “حوار قوي وحقيقي” مع دمشق، وتجنب أي تصرفات قد تعيق تطور سوريا. هذه التصريحات تشير إلى رغبة أمريكية في تخفيف التوتر بين الطرفين، والسماح ببدء عملية إعادة إعمار سوريا.
التصعيد الإسرائيلي في جنوب سوريا
يأتي هذا الإعلان الأمريكي في وقت يشهد فيه جنوب سوريا تصعيدًا إسرائيليًا مقلقًا. فبعد توغل دورية إسرائيلية في بلدة بيت جن بريف دمشق، والتي واجهها الأهالي وأسفرت عن إصابة جنود إسرائيليين، ردت إسرائيل بشن غارات جوية أدت إلى مقتل وإصابة عدد كبير من المدنيين، بمن فيهم نساء وأطفال.
هذه الانتهاكات الإسرائيلية، التي تُجرى تحت ذريعة استهداف مواقع عسكرية سورية، تثير تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراءها. فبالرغم من أن الحكومة السورية لم تشكل تهديدًا لتل أبيب، إلا أن إسرائيل تواصل تنفيذ عمليات عسكرية في الأراضي السورية.
المفاوضات الأمنية والانسحاب الإسرائيلي
في الأشهر الماضية، جرت محادثات بين مسؤولين إسرائيليين وسوريين، بهدف التوصل إلى ترتيبات أمنية تضمن انسحاب إسرائيل من المنطقة السورية العازلة التي احتلتها في ديسمبر 2024.
وحتى الآن، لم يتم الإعلان عن أي تقدم ملموس في هذه المفاوضات. ومع استمرار التصعيد الإسرائيلي، يزداد الشك في إمكانية التوصل إلى حل سلمي. يبدو أن الهدف الإسرائيلي يتجاوز مجرد الأمن، ليشمل محاولة لفرض شروط معينة على سوريا، قد تتعلق بمستقبلها السياسي.
تداعيات القرار الأمريكي المحتملة
قرار منح الرئيس الشرع فرصة لإرساء نظام ديمقراطي قد يحمل تداعيات كبيرة على مستقبل سوريا والمنطقة. من ناحية، قد يفتح الباب أمام حوار بناء بين النظام السوري والمعارضة، يقود إلى حل سياسي للأزمة.
من ناحية أخرى، قد يثير هذا القرار قلقًا لدى بعض الدول الإقليمية، التي ترى في النظام السوري تهديدًا لأمنها ومصالحها. بعض هذه الدول قد تحاول عرقلة جهود الإصلاح، من خلال دعم الفصائل المتطرفة أو تنفيذ عمليات تخريبية.
مستقبل العلاقات السورية الإسرائيلية
قد يؤدي هذا التحول في الموقف الأمريكي أيضًا إلى تغيير في ميزان القوى بين سوريا وإسرائيل. فإذا تمكنت سوريا من بناء نظام ديمقراطي مستقر، فقد تتمكن من استعادة دورها الإقليمي، والتفاوض مع إسرائيل من موقع قوة.
هذا السيناريو يعتمد بشكل كبير على قدرة الرئيس الشرع على تنفيذ إصلاحات حقيقية، تلبي تطلعات الشعب السوري. بالإضافة إلى ذلك، يتطلب الأمر التزامًا من جميع الأطراف المعنية، بوقف التصعيد، والانخراط في حوار جاد. إن العلاقات السورية الإسرائيلية تاريخياً معقدة، وهذا التغيير قد يفتح فصلاً جديداً، ولكن يتوقف ذلك على الكثير من العوامل.
الخلاصة
إن قرار الرئيس ترامب بمنح الرئيس السوري أحمد الشرع فرصة كاملة لإرساء نظام ديمقراطي يمثل تطورًا هامًا في المشهد السوري والإقليمي. هذا القرار، جنبًا إلى جنب مع تصعيد إسرائيل في جنوب سوريا، يضع المنطقة على مفترق طرق، ويفتح الباب أمام سيناريوهات متعددة. يبقى أن نرى كيف ستتعامل الأطراف المعنية مع هذه التطورات، وما إذا كانت ستتمكن من استغلال هذه الفرصة لتحقيق الاستقرار والازدهار في المنطقة بشكل عام. من الواضح أن المشهد السياسي يتطلب مراقبة دقيقة وتحليلاً عميقاً.















