في مقالٍ لاذع، انتقد الكاتب الفلسطيني عودة بشارات بشدة البرامج الحوارية والأخبار التي تقدمها القنوات التلفزيونية الإسرائيلية، متهماً إياها بممارسة شكل من أشكال الفصل العنصري الإعلامي. يركز مقاله، المنشور في صحيفة هآرتس، على الاستبعاد المنهجي للمواطنين العرب الفلسطينيين من النقاش العام، واستبدالهم بـ “مراسلي شؤون عربية” يهود، مما يعكس صورة مشوهة وغير عادلة للواقع الإسرائيلي. هذا النقد يثير تساؤلات مهمة حول تمثيل الأقليات في وسائل الإعلام، وحرية التعبير، والعدالة الإعلامية في إسرائيل.

استبعاد العرب من المشهد الإعلامي الإسرائيلي: تجسيد للأبارتايد

يرى بشارات أن القنوات التلفزيونية الإسرائيلية تسعى لخلق وهم بتمثيل “جميع الإسرائيليين” من خلال استضافة شخصيات متنوعة – يساريين ويمينيين، متدينين وعلمانيين، رجالاً ونساءً – لكن هذا التنوع، كما يوضح، لا يشمل المواطنين العرب الفلسطينيين الذين يشكلون 20% من إجمالي السكان. هذا الاستبعاد المتعمد، بحسب الكاتب، ليس مجرد إغفال، بل هو تجسيد واضح لسياسة الفصل العنصري، حيث يتم تهميش وإقصاء مجموعة كبيرة من السكان بشكل ممنهج.

“قدس الأقداس” الإعلامي المحظور

يصف بشارات هذا المشهد الإعلامي بأنه “قدس الأقداس” المحظور على العرب، حيث يتم منعهم من المشاركة في تشكيل الرأي العام. بدلاً من ذلك، تعتمد القنوات الإسرائيلية على تعيين مراسلين يهود لتغطية “الشؤون العربية”، وهو ما يعتبره الكاتب سخرية من الواقع. يقول إن البعض يظن أن هؤلاء المراسلين “أفضل في تمثيل العرب من العرب أنفسهم”، وهو تعبير ينم عن استعلاء وعدم احترام.

شروط مسبقة للمشاركة: “امتحان مهين”

حتى في الحالات النادرة التي يتم فيها استضافة شخصية عربية في برنامج تلفزيوني إسرائيلي، يوضح بشارات أن الأمر لا يخلو من شروط مسبقة مهينة. فالضيف العربي، بحسب المقال، يتعين عليه أن يدين “هجومًا إرهابيًا” أو يقدم تصريحات معينة تتعلق بقضايا حساسة قبل أن يتم السماح له بالمشاركة في الحوار. هذا الشرط، الذي لا يُفرض على الضيوف اليهود حتى في حالات العنف ضد الفلسطينيين، يُظهر ازدواجية المعايير والتحيز الواضح.

المقاطعات والهجمات: محاولة لإسقاط الضيف

بعد تجاوز هذا “الامتحان المهين”، يواجه الضيف العربي، كما يصفه بشارات، وابلًا من المقاطعات والهجمات من مختلف الضيوف والمذيعين. هذه المحاولات، التي تهدف إلى إحراجه وإسقاطه، تعكس عدم الرغبة الحقيقية في الاستماع إلى وجهات نظر عربية مختلفة، وتؤكد على استمرار سياسة الإقصاء. هذا الجو المشحون يجعل من الصعب على أي ضيف عربي التعبير عن رأيه بحرية وصدق.

دعوة لإعادة هيكلة المشهد الإعلامي

يدعو بشارات إلى إعادة هيكلة المشهد الإعلامي الإسرائيلي، مؤيدًا إغلاق المنافذ الإعلامية التي تهدف إلى الحفاظ على “النقاء الوطني”، بما في ذلك إذاعة الجيش الإسرائيلي والقنوات التلفزيونية الرئيسية. يرى أن هذا الإجراء سيساهم في تهيئة “جو أنظف” وحياة “أكثر إنسانية”، من خلال السماح بظهور أصوات متنوعة وتمثيل عادل لجميع مكونات المجتمع. هذه الدعوة ليست مجرد انتقاد للوضع الراهن، بل هي رؤية لمستقبل إعلامي أكثر شمولية وعدالة.

الإعلام كدليل حي على الأبارتايد

يقترح الكاتب على معلمي التربية المدنية استخدام نشرات الأخبار الإسرائيلية كدليل حي على الفصل العنصري، مؤكدًا أن المشكلة لا تكمن في الكتب المدرسية، بل في الشاشات التي تمحو وجود 20% من السكان. هذا الاقتراح يهدف إلى توعية الأجيال القادمة بالظلم الإعلامي الذي يتعرض له العرب الفلسطينيون، وتشجيعهم على المطالبة بتمثيل عادل في وسائل الإعلام. التمثيل الإعلامي العادل هو حق أساسي يجب أن يتمتع به جميع المواطنين.

نحو إعلام أكثر مسؤولية وشمولية

في الختام، يمثل مقال عودة بشارات صرخة مدوية ضد التمييز والإقصاء في الإعلام الإسرائيلي. إنه دعوة إلى التفكير النقدي في دور وسائل الإعلام في تشكيل الرأي العام، وفي مسؤوليتها تجاه تمثيل جميع فئات المجتمع. العدالة الإعلامية ليست مجرد هدف نبيل، بل هي شرط أساسي لتحقيق السلام والمساواة في إسرائيل وفلسطين. يجب على القنوات التلفزيونية الإسرائيلية أن تعيد النظر في سياساتها التحريرية، وأن تفتح أبوابها أمام الأصوات العربية، وأن تلتزم بتقديم صورة أكثر واقعية وتوازنًا للوضع في البلاد. ندعو القراء إلى مشاركة هذا المقال ونشر الوعي حول هذه القضية الهامة.

شاركها.
اترك تعليقاً