في قلب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تتصاعد وتيرة التحديات التي تواجه الفلسطينيين في أراضيهم المحتلة. آخر هذه التحديات، وأكثرها إثارة للقلق، هو إعلان وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش عن خطة حكومية ضخمة تهدف إلى تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية، بميزانية تصل إلى 2.7 مليار شيكل (حوالي 850 مليون دولار). هذه الخطة، التي تتجاوز مجرد إقامة مستوطنات جديدة، تحمل في طياتها تهديدًا وجوديًا للحق الفلسطيني في الأرض، وتُعد خطوة متقدمة نحو الضم الفعلي.

خطة سموتريتش: ما وراء المستوطنات الجديدة

لم يقتصر الأمر على إعلان عن بناء 17 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية خلال السنوات الخمس القادمة، ودعم البنية التحتية لعشرات المستوطنات الأخرى. بل تتضمن الخطة إنشاء وحدة “الطابو” الاستيطانية، وهي الخطوة التي يعتبرها الفلسطينيون الأكثر خطورة. هذه الوحدة، بميزانية 225 مليون شيكل (70 مليون دولار)، ستعمل على تسجيل الأراضي الفلسطينية باسم المستوطنين، وتحويلها من أراضٍ تابعة للسلطة الفلسطينية أو ملكية خاصة إلى “أراضي دولة” إسرائيلية.

وحدة “الطابو” الاستيطانية: تغيير قواعد اللعبة

وحدة “الطابو” ليست مجرد تغيير إداري، بل هي تحول جذري في طريقة التعامل مع ملكية الأراضي في الضفة الغربية. تاريخيًا، كانت سجلات الأراضي تُدار من خلال الإدارة المدنية التابعة للجيش الإسرائيلي، والتي تعتمد على الإجراءات الموروثة من العهد الأردني قبل عام 1967. الآن، تسعى إسرائيل إلى إنشاء نظام تسجيل إسرائيلي مباشر، خاص بالمستوطنات، مما يمنح المستوطنين سيطرة كاملة على تسجيل ملكية الأراضي.

هذا يعني أن المستوطنين سيتمكنون من تسجيل الأراضي التي يعتبرونها “أراضي دولة” بشكل قانوني، حتى لو كانت هذه الأراضي مملوكة للفلسطينيين أو تقع ضمن مناطق السلطة الفلسطينية. هذا الإجراء يفتح الباب على مصراعيه أمام توسع استيطاني غير مسبوق، ويقوض أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة.

أبعاد الخطة الاستيطانية: نحو الضم الفعلي

الخطة الاستيطانية الإسرائيلية تتجاوز مجرد تسجيل الأراضي، وتشمل أيضًا تطوير البنية التحتية للمستوطنات، وشق طرق جديدة، ونقل قواعد عسكرية إلى شمال الضفة الغربية. هذه الخطوات تهدف إلى ترسيخ الوجود الإسرائيلي في المنطقة، وتعزيز السيطرة الإدارية والميدانية على المناطق المستهدفة.

وتشير التقارير إلى أن الخطة تتضمن نقل مقر لواء “منشيه” وقاعدتين إضافيتين إلى محيط مستوطنة “شانور” في محافظة جنين، وهي خطوة تهدف إلى إعادة ترسيخ الوجود العسكري والاستيطاني الإسرائيلي في شمال الضفة الغربية. هذه التحركات تتوافق مع توجهات لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، التي صادقت على مشروع قانون يسمح للإسرائيليين بشراء الأراضي في الضفة الغربية بشكل مباشر.

القانون الجديد: تذليل العقبات أمام التملك

القانون الجديد الذي أقرته الكنيست يلغي القانون الأردني لعام 1953، الذي كان يمنع بيع أو تأجير الأراضي للأجانب في الضفة الغربية. هذا القانون كان يعتبر حجر عثرة أمام المستوطنين الذين يسعون إلى تملك الأراضي الفلسطينية.

بالإضافة إلى ذلك، يهدف القانون إلى إنهاء القيود الحالية التي تجبر المستوطنين على شراء الأراضي الفلسطينية من خلال شركات مسجلة في “الإدارة المدنية”. هذا يعني أن المستوطنين سيتمكنون الآن من تملك الأراضي الفلسطينية بشكل فردي ومباشر، مما يسهل عملية الاستيلاء على الأراضي ويجعلها أكثر قانونية من وجهة نظر إسرائيل.

دور السلطة الفلسطينية: تحديات جمة

في ظل هذه التطورات الخطيرة، يطرح السؤال نفسه: ما هو دور السلطة الفلسطينية؟ وفقًا للخبير في الشأن الإسرائيلي علاء الريماوي، فإن سلطات الاحتلال لا تعترف بإجراءات تسجيل الأراضي التي تتخذها السلطة الفلسطينية، ولا تعطي أي قيمة لشهادات التسجيل التي تصدرها.

ويضيف الريماوي أن الخطر في الإجراء الإسرائيلي يكمن في جانبين: أولاً، امتلاك المستوطنين للأراضي بشكل مباشر حتى داخل مناطق السلطة الفلسطينية. وثانيًا، إمكانية توجه المستوطنين إلى القضاء الإسرائيلي لمخاصمة الجيش والاستيلاء على كل المساحات التي كانت تعتبر مناطق تدريب أو “أراضي دولة”.

جهود التسجيل الفلسطيني: هل هي كافية؟

تأسست سلطة الأراضي الفلسطينية في عام 2002، وقد تمكنت حتى نهاية عام 2024 من تسجيل حوالي 60.6% من مجمل مساحة الضفة الغربية. وقد أصدرت الإدارة العامة للتسجيل، التابعة لسلطة الأراضي، 11,325 شهادة تسجيل خلال عام 2024 وحده.

ومع ذلك، فإن هذه الجهود لا تكفي لمواجهة التحديات التي تفرضها الخطة الاستيطانية الإسرائيلية. فالخطة تهدف إلى تغيير قواعد اللعبة بشكل جذري، وتمنح المستوطنين سيطرة كاملة على تسجيل ملكية الأراضي.

الخلاصة: مستقبل الضفة الغربية على المحك

إن خطة تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية التي أعلن عنها وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، وخاصة إنشاء وحدة “الطابو” الاستيطانية، تمثل تهديدًا خطيرًا للحق الفلسطيني في الأرض، وتقوض أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. هذه الخطة ليست مجرد استمرار للسياسات الاستيطانية الإسرائيلية، بل هي خطوة متقدمة نحو الضم الفعلي للضفة الغربية.

يتطلب هذا الوضع تحركًا عاجلًا من قبل المجتمع الدولي، والضغط على إسرائيل لوقف هذه الخطة، واحترام القانون الدولي، وحقوق الفلسطينيين في أراضيهم. كما يتطلب من السلطة الفلسطينية تعزيز جهودها في تسجيل الأراضي، وتوثيق الملكية الفلسطينية، لمواجهة التحديات التي تفرضها الخطة الإسرائيلية. مستقبل الضفة الغربية، وحقوق الفلسطينيين، على المحك.

الكلمات المفتاحية: الاستيطان في الضفة الغربية، الضفة الغربية، فلسطين، إسرائيل، المستوطنون، الاستيلاء على الأراضي، وحدة الطابو، السلطة الفلسطينية.

شاركها.
اترك تعليقاً