اعتاد علماء الفلك على رؤية انفجارات النجوم، أو ما يُعرف بـ المستعرات، كأحداث سريعة وغير مفصلة. لكنّ فريقًا دوليًا من الباحثين تمكن من التقاط صور عالية الدقة لمستعرين حديثي الانفجار، مما يوفر رؤى جديدة حول الآليات المعقدة التي تحرك هذه الظواهر الكونية. هذه الصور، التي تم الحصول عليها في وقت أبكر بكثير مما كان ممكنًا في السابق، تكشف عن تفاصيل غير متوقعة حول كيفية حدوث هذه الانفجارات.
وقد أظهرت النتائج أن انفجار المستعر ليس مجرد “اندفاعة” واحدة من الطاقة، بل قد يتكون من عدة قذوفات متداخلة، أو حتى قذوفات متأخرة تحدث بعد أسابيع من الانفجار الأولي. هذه الاكتشافات، التي نشرت في دورية “نيتشر أسترونومي”، تغير فهمنا لكيفية موت النجوم وتطورها.
ظاهرة المستعر: نظرة جديدة على انفجارات النجوم
المستعر هو حدث يحدث في الأنظمة النجمية الثنائية، حيث يقوم نجم قزم أبيض كثيف بسحب المادة من نجم مرافق. مع تراكم هذه المادة على سطح القزم الأبيض، ترتفع درجة الحرارة والضغط، مما يؤدي إلى اشتعال تفاعلات نووية متفجرة. تقليديًا، كان من الصعب رصد هذه الانفجارات في مراحلها الأولى بسبب صغر حجمها وسرعتها.
ومع ذلك، استخدم الفريق البحثي تقنية تسمى “التداخل الضوئي” باستخدام مصفوفة “تشارا” في كاليفورنيا. تسمح هذه التقنية بدمج الضوء من عدة تلسكوبات لإنشاء صورة بتفاصيل غير مسبوقة، مما يجعل من الممكن رؤية البنى الدقيقة التي تحدث في بداية الانفجار.
التداخل الضوئي: تقنية ثورية في علم الفلك
تعتمد تقنية التداخل الضوئي على مبدأ تجميع موجات الضوء لإنشاء نمط تداخل. من خلال تحليل هذا النمط، يمكن للعلماء تحديد تفاصيل دقيقة حول مصدر الضوء، مثل حجمه وشكله وتركيبه. هذه التقنية مشابهة لتلك المستخدمة في تصوير الثقوب السوداء، حيث تمكنت من الكشف عن ظلال الثقوب السوداء على خلفية المادة المتوهجة.
ركزت الدراسة على مستعرين محددين: “في 1674 هرقل” و “في 1405 ذات الكرسي”. كشفت الصور عن تدفقين غازيين متعامدين تقريبًا في المستعر “في 1674 هرقل”، مما يشير إلى أن الانفجار يتم تشغيله من خلال قذوفات متعددة تتفاعل مع بعضها البعض. هذا التفاعل يمكن أن يؤدي إلى تسريع الجسيمات وإنتاج أشعة غاما عالية الطاقة، وهي ظاهرة مهمة في فهم هذه الانفجارات.
أما بالنسبة للمستعر “في 1405 ذات الكرسي”، فقد أشارت الصور إلى أن القذف الأكبر للمادة المتراكمة لم يحدث على الفور، بل تأخر لأكثر من 50 يومًا بعد بدء الانفجار. هذا الاكتشاف يوفر معلومات جديدة حول التوقيت الدقيق للأحداث التي تؤدي إلى انفجار المستعر.
بالإضافة إلى الصور، استخدم الباحثون قياسات طيفية متعددة الأطوال الموجية لتتبع بصمات الغاز المقذوف ومطابقتها مع البنى المرئية في الصور. هذا التحليل الشامل سمح لهم بتحديد تركيبة وخصائص المادة التي تشكل المستعر.
أهمية دراسة المستعرات
تعتبر دراسة المستعرات أمرًا بالغ الأهمية لفهم تطور النجوم وتوزيع العناصر الكيميائية في الكون. فقد أظهرت الدراسات أن المستعرات هي المصدر الرئيسي للعديد من العناصر الثقيلة، مثل الكربون والأكسجين والحديد، التي تعتبر ضرورية للحياة. كما أن هذه الانفجارات تلعب دورًا مهمًا في تشكيل السحب الغازية والغبارية التي تتكون منها النجوم والكواكب الجديدة.
علاوة على ذلك، فإن فهم آليات انفجار المستعرات يمكن أن يساعد في تحسين نماذجنا للتفاعلات النووية التي تحدث في النجوم. هذا الفهم يمكن أن يكون له تطبيقات في مجالات أخرى، مثل إنتاج الطاقة النووية.
تُعد هذه الاكتشافات خطوة مهمة نحو فهم أعمق لعمليات انفجار النجوم. يخطط الفريق البحثي لمواصلة استخدام تقنية التداخل الضوئي لدراسة المزيد من المستعرات في مراحلها الأولى، بهدف الحصول على صورة أكثر اكتمالاً لهذه الظواهر الكونية. من المتوقع أن يتم تحليل بيانات إضافية من مصفوفة “تشارا” في غضون الأشهر الستة القادمة، مما قد يكشف عن المزيد من التفاصيل حول آليات انفجار المستعرات. يبقى التحدي في تحسين دقة هذه الملاحظات وتوسيع نطاقها لرصد المزيد من الأحداث النادرة.














