تونس تشهد تصاعدًا في الاحتجاجات ضد “القمع السياسي” وتدهور الحريات
تتصاعد حدة التوتر السياسي في تونس مع استمرار الاعتقالات والأحكام القضائية الصادرة ضد معارضي الرئيس قيس سعيد، مما دفع إلى تنظيم احتجاجات شعبية تطالب بوقف ما يصفونه بـ”القمع السياسي” واستعادة الحريات الأساسية. شهدت العاصمة التونسية اليوم مسيرة حاشدة دعت إليها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان تحت شعار “ولا بدّ للقيد أن ينكسر”، تعبيرًا عن رفض الممارسات التي يعتبرونها قمعية وتجريمًا للرأي المعارض. هذه الأحداث المتلاحقة تضع تونس على مفترق طرق فيما يتعلق بمستقبل الديمقراطية وحقوق الإنسان.
تصاعد الاحتجاجات وتدهور الأوضاع الحقوقية
جاءت المسيرة الاحتجاجية ردًا مباشرًا على الأحكام القاسية الصادرة مؤخرًا بحق شخصيات معارضة بارزة. ففي وقت سابق من هذا الأسبوع، أصدرت محكمة الاستئناف أحكامًا بالسجن تتجاوز في بعض الحالات 45 عامًا ضد معارضين بتهمة “التآمر للإطاحة بالرئيس”. هذه الأحكام، بالإضافة إلى اعتقالات أخرى، أثارت غضبًا واسعًا في الأوساط الحقوقية والسياسية.
حكم سجن عبير موسي وتداعياته
تزامنت المسيرة مع صدور حكم قضائي بسجن رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسي، لمدة 12 عامًا في قضية “مكتب الضبط”. يعتبر هذا الحكم بمثابة تصعيد جديد في حملة الاعتقالات التي تستهدف المعارضة، خاصةً وأن القضية تعود إلى طعون قدمتها موسي ضد أوامر رئاسية سابقة. العديد من المراقبين يرون أن هذه الأحكام ذات طبيعة سياسية تهدف إلى إسكات الأصوات المنتقدة للحكومة.
“القمع السياسي” وتأثيره على المجتمع المدني
وصف رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، بسام الطريفي، الأوضاع الحالية بأنها “خطيرة”، مؤكدًا أن “العمل المدني والسياسي مهدد، والصحفيون ونشطاء المجتمع المدني يتعرضون للملاحقة، والكلمة الحرة تُقيد، والمعارضة تُسجن”. هذا التصريح يعكس قلقًا عميقًا بشأن مستقبل الحريات في تونس، خاصةً بعد الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في عام 2021.
الاعتقالات الأخيرة لم تقتصر على قيادات المعارضة، بل طالت أيضًا ناشطين بارزين مثل شيماء عيسى، التي ألقي القبض عليها أثناء مشاركتها في احتجاج ضد “التضييق على الحريات السياسية والصحفية”. كما شملت الاعتقالات أسماء أخرى مثل نجيب الشابي والعيّاشي الهمّامي، مما يؤكد أن الحملة الأمنية تستهدف طيفًا واسعًا من المعارضين. هذه الممارسات تثير تساؤلات حول مدى التزام السلطات التونسية بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.
دعوات للمواطنين للتعبير عن رفضهم
الحزب الجمهوري دعا المواطنين الرافضين لحكم الفرد وسياسات الترهيب إلى المشاركة الفاعلة في المسيرة، مؤكدًا أن الدفاع عن الحرية والكرامة الوطنية “ليس مجرد تضامن، بل موقف حقيقي في مواجهة الاستبداد”. من جهته، أكد حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات أن المسيرة تعكس إيمانهم بأن “القيد يصدأ حين تتحرك الشعوب، وأن الظلم يضعف حين تتشابك الأيادي”.
هذه الدعوات تعكس إحساسًا متزايدًا بالإحباط والغضب بين المعارضة والمواطنين الذين يخشون على مستقبل تونس الديمقراطي. العديد من الأحزاب والمنظمات الحقوقية ترى أن هذه الأحداث تمثل تهديدًا حقيقيًا للتحول الديمقراطي الذي شهدته تونس بعد ثورة 2011.
تأكيد الحق في التعبير ومواجهة السياسات القمعية
تأتي هذه المسيرة بعد أسبوع من تنظيم احتجاج آخر تحت شعار “المعارضة ليست جريمة”، في إطار سلسلة مسيرات أسبوعية تهدف إلى تأكيد “حق التعبير عن الرأي ومواجهة السياسات القمعية”. الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أكدت أن السنة الماضية شهدت تصاعدًا في التضييق على الحريات، مع ملاحقة قضائية للإعلاميين والنشطاء المدنيين والسياسيين، واستهداف المنابر الإعلامية المستقلة، وحملات التشهير والتخوين ضد منظمات المجتمع المدني.
منظمات حقوقية محلية ودولية تؤكد أن الأحكام الصادرة بحق المعارضين في تونس تُعد “سياسية بامتياز”، وأن جهاز القضاء “يُستغل” من قبل الرئيس قيس سعيد “لسحق معارضيه وترسيخ الحكم الفردي”. هذه الاتهامات تثير قلقًا بالغًا بشأن استقلالية القضاء في تونس، وهو أحد أهم أعمدة الديمقراطية. الوضع الحالي يتطلب تدخلًا عاجلًا من المجتمع الدولي لحماية حقوق الإنسان والديمقراطية في تونس. القمع السياسي يهدد الاستقرار و يعيق التنمية.
في الختام، تشهد تونس فترة حرجة تتطلب حوارًا وطنيًا شاملًا لإيجاد حلول للأزمة السياسية والحقوقية. من الضروري احترام الحريات الأساسية، وضمان استقلالية القضاء، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين. إن مستقبل تونس الديمقراطي يعتمد على قدرة جميع الأطراف على التوصل إلى توافق حول هذه القضايا الأساسية. ندعو جميع المواطنين التونسيين إلى التعبير عن آرائهم بحرية ومسؤولية، والمشاركة الفاعلة في بناء مستقبل أفضل لبلادهم. كما نؤكد على أهمية دعم منظمات المجتمع المدني التي تعمل على حماية حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات. الحريات العامة هي أساس بناء دولة ديمقراطية قوية. الوضع في تونس يتطلب مراقبة دقيقة و دعمًا دوليًا.















