المواد الكيميائية الأبدية في طعامنا: دراسة تكشف عن تلوث واسع النطاق في منتجات الحبوب الأوروبية
أثارت دراسة حديثة قلقًا بالغًا بشأن وجود مستويات مرتفعة من مواد PFAS، المعروفة أيضًا باسم “المواد الكيميائية الأبدية”، في مجموعة واسعة من منتجات الحبوب التي يتم استهلاكها يوميًا في جميع أنحاء أوروبا. هذه المواد، التي لا تتحلل في البيئة، ترتبط بتأثيرات صحية ضارة، بما في ذلك مشاكل في الأعضاء ووظائف التكاثر. تُظهر النتائج الحاجة الماسة إلى فهم أفضل لمصادر هذا التلوث واتخاذ إجراءات فعالة لحماية صحة المستهلكين.
ما هي مواد PFAS ولماذا هي مقلقة؟
مواد PFAS (المركبات البيرفلورو ألكيلية والبوليفلورو ألكيلية) هي مجموعة كبيرة من المواد الكيميائية الاصطناعية التي تتميز بقوة رابطتها الكيميائية، مما يجعلها مقاومة للتحلل في البيئة. لهذا السبب، تُعرف هذه المواد باسم “المواد الكيميائية الأبدية”. تستخدم PFAS في العديد من المنتجات الاستهلاكية والصناعية، مثل أدوات الطهي غير اللاصقة، ومقاومة الماء للأقمشة، ورغوة مكافحة الحرائق، وبعض أنواع المبيدات الزراعية.
التعرض لـ PFAS يرتبط بمجموعة متنوعة من المشاكل الصحية، بما في ذلك:
- زيادة مستويات الكوليسترول في الدم
- تغيرات في إنزيمات الكبد
- انخفاض الاستجابة المناعية
- اضطرابات الغدد الصماء
- زيادة خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان (مثل سرطان الكلى والخصية)
- تأثيرات سلبية على النمو والتطور لدى الأطفال.
نتائج الدراسة: تلوث واسع النطاق في منتجات الحبوب
أجرت منظمة شبكة مكافحة المبيدات في أوروبا (PAN Europe) دراسة رائدة شملت اختبار 66 منتجًا غذائيًا يعتمد على الحبوب، تم شراؤها من 16 دولة أوروبية. ركزت الدراسة على قياس مستويات حمض ثلاثي فلورو الأسيتيك (TFA)، وهو أحد نواتج تحلل PFAS.
أظهرت النتائج أن متوسط تركيزات TFA في هذه المنتجات كان أعلى بمقدار 107 مرة من المستويات المسجلة في مياه الشرب. الأكثر إثارة للقلق هو أن مستويات TFA تجاوزت الحد الأقصى الافتراضي لبقايا المواد السامة للتكاثر أو المواد المسببة لاضطرابات هرمونية في 81.8% من العينات التي تم تحليلها.
المنتجات الأكثر تلوثًا
شملت المنتجات التي تم فحصها في الدراسة حبوب الإفطار، والحلويات، والمعكرونة، والكرواسون، والخبز والدقيق. وكشفت النتائج أن ثلاثة من بين أكثر خمسة منتجات تلوثًا كانت تُباع في أيرلندا. كما ضمت قائمة “أكثر 10 منتجات ملوثة” مجموعة متنوعة من السلع المصنعة من الحبوب المباعة في دول أوروبية أخرى. هذا يشير إلى أن المشكلة ليست محصورة بدولة واحدة، بل هي قضية أوروبية واسعة النطاق.
نقص الشفافية في سلاسل الإمداد الغذائي
أشارت الدراسة إلى أن أصل الدقيق المستخدم في غالبية هذه المنتجات غير معروف. عادةً لا تلتزم شركات الأغذية الصناعية بذكر مصدر الدقيق على العبوات، مما يخفي معلومات مهمة عن المستهلكين. هذا النقص في الشفافية يجعل من الصعب تحديد مصادر التلوث وتتبع انتشار التلوث بالـ PFAS في السلسلة الغذائية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن غياب الرقابة الرسمية على مستويات TFA في الأغذية يجعل هذه الدراسة الأولى من نوعها على مستوى الاتحاد الأوروبي. لقد رصدت شبكة مكافحة المبيدات في أوروبا سابقًا وجود PFAS في مياه الصنبور، مما يؤكد أن التلوث واسع الانتشار ويؤثر على مصادر مياه متعددة.
دعوات لاتخاذ إجراءات عاجلة
بناءً على نتائج هذه الدراسة، تدعو شبكة مكافحة المبيدات في أوروبا إلى فرض حظر فوري على مبيدات PFAS لوقف انتشار التلوث في السلسلة الغذائية. وتؤكد سالومي روي، وهي عاملة في الشبكة، أن “نتائجنا تؤكد الحاجة الملحة إلى فرض حظر فوري على مبيدات PFAS”.
تتزامن هذه التحذيرات مع نتائج دراسة نشرتها جمعية الطب الأميركية، والتي حذرت من مخاطر التعرض لـ المركبات الكيميائية PFAS، حيث وجدت أن التعرض لأنواع منفردة أو مختلطة من PFAS مرتبط بزيادة احتمالات اضطرابات الغدد الصماء لدى النساء.
مستقبل مكافحة تلوث PFAS
من الواضح أن مشكلة تلوث PFAS تتطلب اهتمامًا دوليًا وتعاونًا بين الحكومات والمنظمات غير الحكومية والشركات المصنعة. يجب تطوير وتنفيذ لوائح صارمة للحد من استخدام PFAS في المنتجات الاستهلاكية والصناعية. بالإضافة إلى ذلك، يجب الاستثمار في البحث والتطوير لإيجاد بدائل آمنة وفعالة لـ PFAS.
من الضروري أيضًا زيادة الوعي العام بمخاطر PFAS وتمكين المستهلكين من اتخاذ خيارات مستنيرة بشأن المنتجات التي يشترونها. من خلال العمل معًا، يمكننا حماية صحتنا والبيئة من الآثار الضارة لهذه “المواد الكيميائية الأبدية”. الشفافية في سلاسل الإمداد الغذائي هي خطوة أساسية نحو تحقيق هذا الهدف.








