في تطور هام يعكس طموحات الصين المتزايدة في تحقيق الاكتفاء الذاتي التكنولوجي، أدرجت الحكومة الصينية رقائق الذكاء الاصطناعي المحلية في قائمتها الرسمية للمشتريات الحكومية للمرة الأولى. يأتي هذا الإجراء في وقت حرج، قبيل قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالسماح لشركة نفيديا بتصدير منتجاتها المتقدمة إلى الصين، مما يضع قطاع التكنولوجيا الصيني على مفترق طرق بين المنافسة والاعتماد على الذات. هذا التحول الاستراتيجي يهدف إلى دعم الشركات المحلية وتعزيز مكانة الصين في سباق التكنولوجيا العالمي.
تعزيز صناعة أشباه الموصلات المحلية: خطوة استراتيجية
أعلنت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية عن إضافة معالجات الذكاء الاصطناعي من شركات صينية رائدة مثل هواوي وكامبريكون إلى قائمة الموردين المعتمدين للحكومة. هذه الخطوة، التي كشفت عنها صحيفة فايننشال تايمز، تمثل دفعة قوية لقطاع أشباه الموصلات الصيني، حيث من المتوقع أن تفتح الباب أمام صفقات بمليارات الدولارات للشركات المحلية.
تهدف هذه السياسة بشكل أساسي إلى تقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأمريكية، خاصة في القطاعات الحيوية مثل الحكومة والقطاعات المملوكة للدولة. فبعد سنوات من الضغط والتحفيز على دعم الشركات المحلية، تتخذ الحكومة الآن إجراءات أكثر تحديدًا ووضوحًا من خلال توجيهات مكتوبة ملزمة.
قائمة “شينتشوانغ” ودورها المحوري
تعتبر قائمة ابتكارات تكنولوجيا المعلومات، المعروفة باسم “شينتشوانغ”، بمثابة مرجع أساسي للهيئات الحكومية والمؤسسات العامة والشركات المملوكة للدولة عند إجراء مشترياتها السنوية الضخمة من منتجات تكنولوجيا المعلومات. تُعد هذه القائمة جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية بكين الأوسع نطاقًا لتعزيز الاستقلال التكنولوجي وتقليل الاعتماد على المنتجات الأجنبية، خاصةً في ظل القيود التجارية التي فرضتها الولايات المتحدة.
خلال السنوات الأخيرة، شهدت القائمة إضافة المزيد من المعالجات الدقيقة المصنعة محليًا كبديل لمعالجات إيه إم دي وإنتل الأمريكية، بالإضافة إلى أنظمة تشغيل بديلة لنظام ويندوز. هذا التوجه يعكس التزامًا واضحًا بالتخلص التدريجي من التكنولوجيا الأجنبية في المؤسسات الحكومية والشركات العامة.
الدعم الحكومي وتحديات التنفيذ
لم تقتصر جهود الحكومة على إدراج الرقائق المحلية في قائمة المشتريات، بل امتدت لتشمل تقديم دعم مالي كبير. وقد زادت الصين مؤخرًا الدعم الحكومي لخفض فواتير الطاقة لمراكز البيانات الكبرى، بهدف مساعدة شركات التكنولوجيا العملاقة مثل علي بابا وتينسنت على تحمل التكاليف المرتفعة المرتبطة باستخدام أشباه الموصلات المحلية، والتي قد تكون أقل كفاءة في استهلاك الطاقة.
ومع ذلك، يواجه هذا التحول بعض التحديات. فقد أظهرت بعض الشركات المملوكة للدولة ترددًا في التخلي عن التكنولوجيا الأمريكية التي اعتمدت عليها لسنوات. على سبيل المثال، ذكر مسؤول تنفيذي في مؤسسة مالية حكومية أن 100 مليون يوان (حوالي 14 مليون دولار) تم تخصيصها لشراء رقائق الذكاء الاصطناعي المحلية، لكن معظم هذه الرقائق لا تزال غير مستخدمة بسبب اعتماد نماذج التداول الكمي للشركة على أجهزة نفيديا.
التحول إلى البنية المحلية: صعوبات ضرورية
يقر صانعو السياسات الصينيون بأن الانتقال إلى بنية تكنولوجية محلية قد يكون صعبًا، لكنهم يعتبرونه ضروريًا لتحقيق الاستقلال التكنولوجي. كما أشار أحد صانعي السياسات، “لا مفر من صعوبات النمو، لكن علينا الوصول إلى هدفنا.” هذا التصريح يعكس إدراكًا بأن بناء صناعة أشباه موصلات قوية ومستقلة يتطلب استثمارًا كبيرًا وجهدًا مستمرًا، بالإضافة إلى تحمل بعض التكاليف الأولية. أشباه الموصلات هي حجر الزاوية في هذا التحول.
قرار ترامب وتأثيره المحتمل
يأتي هذا الإجراء الصيني في أعقاب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رفع القيود على الصادرات والسماح لشركة نفيديا بشحن رقائقها المتطورة H200 إلى “عملاء معتمدين في الصين”. على الرغم من أن هذا القرار قد يوفر بعض الراحة للشركات الصينية التي تعتمد على تكنولوجيا نفيديا، إلا أنه قد يثير أيضًا معارضة من بعض المشرعين في واشنطن، الذين يرون أن ذلك قد يقوض جهود الولايات المتحدة للحد من التقدم التكنولوجي الصيني. كما قد تواجه هذه المبيعات معارضة من السلطات الصينية نفسها، التي تسعى جاهدة لتعزيز البدائل المحلية. التكنولوجيا المتقدمة هي محور هذا الصراع.
نحو مستقبل تكنولوجي مستقل
إن إدراج رقائق الذكاء الاصطناعي المحلية في قائمة المشتريات الحكومية الصينية يمثل خطوة جريئة نحو تحقيق الاستقلال التكنولوجي. على الرغم من التحديات التي قد تواجه التنفيذ، إلا أن هذا الإجراء يعكس التزامًا قويًا من الحكومة الصينية بدعم صناعة أشباه الموصلات المحلية وتعزيز مكانة البلاد في سباق التكنولوجيا العالمي. من المرجح أن نشهد في المستقبل المزيد من الإجراءات المماثلة، بالإضافة إلى استثمارات كبيرة في البحث والتطوير، بهدف بناء صناعة تكنولوجية صينية قوية ومستقلة. هذا التوجه سيؤثر بشكل كبير على المشهد التكنولوجي العالمي في السنوات القادمة.
هل تعتقد أن هذه الخطوة ستؤدي إلى تسريع وتيرة الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي في الصين؟ شارك برأيك في قسم التعليقات أدناه!














