حين يكون الإسلاميون في المعارضة: تحليل لـ “التحالف الأخضر والأحمر” وخطاب “معاداة السامية”

تثير التغطية الإعلامية الغربية، وخاصة الإسرائيلية، للحراك العالمي الداعم لفلسطين جدلاً واسعاً، وتتبنى رواية مفادها وجود “تحالف أخضر وأحمر” تآمري يجمع بين الإسلاميين واليساريين. هذه الرواية، المستوحاة من كتاب “النبي والبروليتاريا” للمفكر الاشتراكي كريس هارمن، والتي تحاول تصوير هذا التقارب كقوة راديكالية ومنفرة، تخضع للتدقيق. فهل هذا التحالف حقيقة أم مجرد أداة دعائية؟ وما هي جذور هذا التقارب التاريخية والفكريّة؟ هذا ما سنحاول استكشافه في هذا المقال.

“التحالف الأخضر والأحمر”: بروباجندا أم واقع؟

تعتمد هذه التسمية، “التحالف الأخضر والأحمر”، على الربط بين الحركات الإسلامية (التي يرمز لها باللون الأخضر) والحركات اليسارية (التي يرمز لها باللون الأحمر). يروج مناصرو هذه الفكرة، وخاصة في الأوساط الصهيونية، بأن هذا التقارب ليس مبنياً على مبادئ مشتركة، بل على “معاداة السامية” وكراهية إسرائيل. يهدف هذا الخطاب إلى تشويه صورة الحراك الداعم لفلسطين، وتقليل تأثيره من خلال تصويره كتحالف بين قوى متطرفة وغير متجانسة.

جذور التقارب: السياق التاريخي والفكري

التقارب بين بعض الحركات الإسلامية واليسارية ليس ظاهرة جديدة. يعود إلى جذور تاريخية عميقة، وتحديداً إلى الثورة الإسلامية في إيران عام 1979. أثار هذا الحدث اهتماماً كبيراً لدى بعض المفكرين اليساريين، الذين رأوا فيه تحدياً للغرب والإمبريالية. كما أن أعمال مفكرين مثل إدوارد سعيد ساهمت في بناء أرضية فكرية مشتركة، من خلال ربط نقد الاستعمار الغربي بالظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون.

كريس هارمن، في كتابه “النبي والبروليتاريا”، قدم رؤية معقدة لهذا التقارب. لم يرَ هارمن الإسلاميين كحلفاء طبيعيين لليسار، ولكنه دعا إلى فهم دوافعهم والتعامل معهم بحذر، مع إمكانية توظيف “الشعور بالثورة” لديهم لأغراض تقدمية. هذا المنظور يختلف عن الاختزال الساذج للتحالف في مجرد “معاداة السامية”.

كيف تستغل إسرائيل هذا الخطاب؟

تستغل إسرائيل هذا الخطاب بشكل فعال في حملتها الدعائية ضد الحراك الداعم لفلسطين. فقد أنشأت وزارة الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية وحدة خاصة لمكافحة “نزع الشرعية عن إسرائيل”، وتعتبر أي نقد لسياساتها أو يشكك في يهوديتها بمثابة تهديد وجودي.

تعتمد هذه الوحدة على تقارير مراكز أبحاث إسرائيلية، مثل معهد ريوت، الذي يصنف حركة المقاطعة والناشطين الأكاديميين ومنظمات حقوق الإنسان في خانة “شبكة نزع الشرعية”. كما تمول إسرائيل مراكز بحثية أخرى، مثل معهد دراسة معاداة السامية في واشنطن، التي تروج لهذه الأطروحات في الأوساط السياسية الأمريكية. الهدف من ذلك هو ترهيب المنتقدين وإسكات أصواتهم، وتصوير النضال الفلسطيني كجزء من مؤامرة عالمية معادية للسامية.

تنوع الحراك: دحض اختزال “التحالف الأخضر والأحمر”

الحقيقة أن الحراك العالمي الداعم لفلسطين يتميز بتنوعه الهائل. فقد وثق اتحاد إحصاء الحشود في جامعة هارفارد ما يقارب 12400 احتجاجاً في الولايات المتحدة وحدها بين أكتوبر 2023 ويونيو 2024. وشملت هذه الاحتجاجات منظمات من مختلف الفئات، بما في ذلك روابط طلابية متخصصة، وروابط ذات أصول قومية أو جغرافية، وروابط طلابية دينية.

أمثلة على هذا التنوع:

  • رابطة “صوت يهودي من أجل السلام”: تضم 32 ألف عضو فاعل، وتعتبر جزءاً من الحراك الداعم لفلسطين.
  • رجال الدين المسيحيين: وقع أكثر من 140 أسقفاً وقائداً كنسياً على وثيقة تدعو إلى وقف الحرب ووقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل.
  • الكنائس الأميركية الأفريقية: وقّع أكثر من 1000 قسّ أسود على عريضة تطالب بوقف إطلاق النار.
  • شركات الأعمال: شركة “بن آند جيريز” للمثلجات طالبت علناً بوقف إطلاق النار.

هذا التنوع يدحض بشكل قاطع اختزال الحراك في مجرد “تحالف تآمري” بين اليسار والإسلاميين.

التقارب في سياق أوسع: التضامن والتكاتف

على الرغم من نفي وجود تحالف رسمي ومنظم، إلا أن هناك تقارباً طبيعياً بين بعض اليساريين والإسلاميين في سياق الحراك الداعم لفلسطين. هذا التقارب لا ينبع من تآمر أو تنسيق سري، بل من الشعور المشترك بالظلم والاضطهاد.

كما أن إطار “التقاطعية” الذي تبنته حركات العدالة الاجتماعية يوفر مساحة للتضامن دون الحاجة إلى تجانس أيديولوجي كامل. فالناشطون على جانبي النضال يرون روابط بين عنف الدولة والاحتلال والعرق، حيث يعاني كل من الأميركيين السود والفلسطينيين من السيطرة العسكرية.

الخلاصة: فهم أعمق للحراك

إن الحديث عن “التحالف الأخضر والأحمر” كقوة تآمري يمثل تبسيطاً مخلّاً للحقيقة. الحراك العالمي الداعم لفلسطين هو حركة متنوعة وشاملة، تضم أفراداً ومنظمات من مختلف الخلفيات والأيديولوجيات. التقارب بين بعض اليساريين والإسلاميين هو نتيجة طبيعية للشعور المشترك بالظلم، وليس مؤامرة مدبرة.

من الضروري فهم هذا السياق التاريخي والفكري من أجل تقييم الحراك بشكل موضوعي، وتجنب الوقوع في فخ الدعاية الإسرائيلية التي تسعى إلى تشويه صورته وإسكات أصواته. فالنضال من أجل فلسطين هو نضال عادل ومشروع، يستحق الدعم والتضامن من جميع أنحاء العالم. الحراك الداعم لفلسطين يمثل صوتاً عالياً للمظلومين، ويجب الاستماع إليه باحترام وتقدير. فهم دوافع هذا الحراك هو الخطوة الأولى نحو تحقيق العدالة والسلام. التركيز على الحقائق بدلاً من الروايات المضللة هو السبيل الوحيد إلى بناء مستقبل أفضل للجميع.

شاركها.
اترك تعليقاً