تعديل ضريبي لشراء السيارات في تونس: هل هو حل أم مجرد وهم؟

في تطور لافت، أقرّ البرلمان التونسي في 4 ديسمبر 2025 فصلًا جديدًا ضمن قانون المالية لسنة 2026، يهدف إلى تخفيف أعباء امتلاك سيارة على العائلات التونسية. هذا الفصل يمنح امتيازًا ضريبيًا لشريحة من المقيمين الراغبين في توريد سيارة أو اقتناء سيارة جديدة، مع تحديد شروط صارمة للاستفادة. يأتي هذا الإجراء في ظل ارتفاع أسعار السيارات بشكل ملحوظ، وتدهور خدمات النقل العمومي، مما يجعل امتلاك سيارة ضرورة ملحة للكثير من العائلات، ولكنه في الوقت ذاته أمرًا صعب المنال.

الامتياز الضريبي الجديد: تفاصيل وشروط الاستفادة

ينص الفصل 55 من قانون الموازنة على حق كل عائلة في تونس في الاستفادة مرة واحدة طوال حياتها من هذا الامتياز، سواء عند شراء سيارة جديدة أو توريد سيارة من الخارج. ومع ذلك، هذه الميزة ليست متاحة للجميع، بل ترتبط بمعايير محددة تضمن وصولها إلى الفئات المستحقة حقًا.

الشروط الأساسية للاستفادة

  • الاستفادة لمرة واحدة: لا يحق للعائلة الاستفادة من هذا الامتياز أكثر من مرة واحدة.
  • عمر السيارة: يجب ألا يتجاوز عمر السيارة المقتناة أو الموردة 8 سنوات. وهذا يعني استبعاد السيارات القديمة التي قد لا تلبي معايير السلامة أو الاستدامة. كما لا يمكن للعائلات التي تملك سيارات تقل أعمارها عن 8 سنوات الاستفادة من الإجراء.
  • سقف الدخل: تم تحديد سقف للدخل الصافي للاستفادة من الامتياز، بحيث لا يتجاوز 10 أضعاف الأجر الأدنى المضمون، والذي يناهز 520 دينارًا تونسيًا (حوالي 173 دولارًا أمريكيًا). أما بالنسبة للزوجين، فيرتفع السقف إلى 14 ضعفًا للأجر الأدنى المضمون.
  • الحصة السنوية: يجب ألا تقل نسبة السيارات المشمولة بالامتياز عن 10% من إجمالي السيارات المرخص بتوريدها سنويًا.

المسؤولية التنفيذية

تم تكليف وزارات المالية والتجارة بالإضافة إلى البنك المركزي التونسي بتنفيذ هذا الإجراء الجديد، الأمر الذي يتطلب تنسيقًا دقيقًا وتحديد آليات واضحة لضمان سير العملية بسلاسة وشفافية.

تحفظات الحكومة ومخاوف الخبراء الاقتصاديين

على الرغم من إقرار هذا الفصل في قانون المالية، إلا أن وزيرة المالية مشكاة سلامة الخالدي أعربت عن تحفظاتها. وأكدت أن التشريع التونسي الحالي لا يمنح المواطن الحق في توريد سيارات بشكل تلقائي، وأن تفعيل هذا الإجراء يتطلب إصدار مراسيم وقوانين ترتيبية إضافية.

الوزيرة سلطت الضوء على التحديات التي تواجه الدولة فيما يتعلق بآليات التوريد، وإجراءات إخراج العملة الصعبة، وشروط الشحن، وتنظيم العملية برمتها، خاصة في ظل الحاجة الماسة للحفاظ على العملة الصعبة. وأشارت إلى ضرورة إعطاء الأولوية لتمويل الواردات الاستراتيجية مثل الطاقة والحبوب والمواد الأساسية، محذرة من أن توسيع نطاق توريد السيارات قد يضغط على الميزان الخارجي.

من جهتهم، يرى مجموعة من الخبراء الاقتصاديين أن تأثير هذا الإجراء قد يكون محدودًا على أرض الواقع. فالخبير الاقتصادي رضا الشكندالي صرّح بأن الامتياز يبدو جيدًا في الظاهر، ولكنه معقد وصعب التنفيذ، وأن شريحة كبيرة من العائلات التي تنطبق عليها شروط الدخل قد لا تملك القدرة المالية الفعلية على توريد سيارة، حتى مع الإعفاءات الضريبية. كما أن تحديد حصة 10% من السيارات الموردة سنويًا يعد قيدًا إضافيًا يحد من عدد المستفيدين. يصف هذا الإجراء بأنه “حلم قد لا يتحقق”.

مبررات البرلمانيين واستجابة للفئات الاجتماعية

ردّ بعض البرلمانيين على هذه الانتقادات، مؤكدين أن الفصل الجديد يستجيب لاحتياجات اجتماعية واقتصادية ملحة. ثامر مزهود، نائب رئيس لجنة التخطيط الاستراتيجي والنقل في البرلمان، أوضح أن كتلته صوّتت لصالح الفصل نظرًا للإيجابيات التي يحملها للعائلات التونسية في ظل ارتفاع أسعار السيارات في السوق المحلية.

وأشار إلى أن أسعار السيارات العادية تتراوح بين 70 و80 ألف دينار (23.3 إلى 26.6 ألف دولار)، نتيجة للرسوم المرتفعة التي تصل إلى 200 و250% عند التوريد، سواء من خلال الوكلاء أو من قبل التونسيين المقيمين بالخارج. هذا يجعل امتلاك سيارة أمرًا شبه مستحيل للطبقة المتوسطة.

بالإضافة إلى ذلك، يشير إلى تدهور خدمات النقل العمومي، خاصة في المدن الكبرى، مما يجبر العائلات على الاعتماد على السيارات الخاصة لتأمين تنقلاتها اليومية. كما أكد أن القانون يتضمن آليات تنفيذية، مثل السماح بقبول السيارات كهبة من الأقارب المقيمين في الخارج، والاستفادة من المنحة السياحية، بالإضافة إلى إمكانية منح البنك المركزي تراخيص خاصة لإخراج العملة الصعبة.

آفاق وتأثير محتمل

تشير بيانات الغرفة الوطنية لوكلاء ومصنعي السيارات إلى زيادة في عدد السيارات المرخصة في السوق التونسية بنسبة 12.7% خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2025، مقارنة بنفس الفترة من عام 2024. ومع ذلك، لا تزال نسبة العائلات التونسية التي تمتلك سيارة خاصة منخفضة، حيث تقدر بـ 19% فقط وفقًا لبيانات المعهد الوطني للإحصاء الصادرة عام 2010.

بشكل عام، يظل مستقبل هذا الإجراء الضريبي غير واضحًا، ويتوقف على قدرة الحكومة على التغلب على التحديات التنفيذية، وعلى مدى استجابة السوق لهذه المبادرة. إن نجاح هذا الفصل في تحقيق أهدافه يعتمد على مدى قدرته على الوصول إلى الفئات المستهدفة، وتخفيف العبء المالي عليهم، دون إحداث خلل كبير في الميزان الخارجي. المواطن التونسي ينتظر بفارغ الصبر تفعيل هذا القانون، آملاً أن يكون بداية لحل أزمة النقل المتفاقمة وارتفاع تكاليف المعيشة.

شاركها.
اترك تعليقاً