في تطور مفاجئ يلقي بظلاله على مستقبل أحد أبرز معالم بلغراد، أعلنت شركة Affinity Partners، المرتبطة بصهر الرئيس الأمريكي السابق جاريد كوشنر، انسحابها من مشروع تحويل المقر السابق لجيش يوغوسلافيا إلى فندق فاخر. هذا الانسحاب، الذي أكده الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، يضع حدًا لخطط استثمارية ضخمة أثارت جدلاً واسعًا في صربيا، ويفتح الباب أمام تساؤلات حول مستقبل هذا الموقع التاريخي. يركز هذا المقال على تفاصيل هذا مشروع فندق بلغراد المثير للجدل، وأسباب الانسحاب، والتداعيات المحتملة على المشهد السياسي والاستثماري في البلاد.
انسحاب Affinity Partners: نهاية حلم الفندق الفاخر؟
أكد الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش يوم الثلاثاء أن مشروع فندق بلغراد لن يتحقق بعد انسحاب شركة Affinity Partners الاستثمارية. وربط فوتشيتش هذا القرار بـ”حملة تشهير” استهدفت الشركة والمشروع، ملقيًا عليها مسؤولية إفشال الخطط. وأشار إلى أن المبنى سيُترك في حالة خراب، مع توقعات بتدهور حالته بشكل أكبر.
وكانت Affinity Partners قد أبلغت صحيفة وول ستريت جورنال بقرارها، مؤكدة أن “المشاريع الهادفة يجب أن توحّد لا أن تفرّق”، وأنها قررت سحب طلبها “احترامًا لشعب صربيا ومدينة بلغراد”. هذا التصريح، على الرغم من صياغته الدبلوماسية، يشير إلى ضغوط كبيرة واجهتها الشركة بسبب الجدل الدائر حول المشروع.
لوائح اتهام وشبهات تزوير تحوم حول المشروع
لم يكن انسحاب Affinity Partners مفاجئًا بالنظر إلى الأزمة المتصاعدة التي كانت تحيط بالمشروع. فقد وُجهت لوائح اتهام إلى وزير الثقافة الصربي نيكولا سيلاكوفيتش وثلاثة مسؤولين آخرين بتهم تتعلق بإساءة استخدام المنصب والتزوير، وذلك فيما يتعلق بإلغاء صفة التراث الثقافي عن الموقع.
التحقيقات كشفت عن وجود وثيقة رسمية أخرجت المقر السابق من إطار الحماية القانونية، وهو ما أثار شكوكًا حول شرعية الإجراءات المتخذة. وقد اعترف القائم بأعمال مدير معهد حماية الآثار الثقافية، غوران فاسيتش، بتزوير هذه الوثيقة، مما أدى إلى توجيه اتهامات إليه وإلى سيلاكوفيتش والمسؤولين الآخرين. في حال الإدانة، قد تصل العقوبات إلى السجن خمس سنوات. هذه الاتهامات أثارت غضبًا شعبيًا واسعًا وزادت من الضغوط على الحكومة.
الجدل حول إزالة صفة التراث الثقافي
إزالة صفة التراث الثقافي عن المقر السابق لجيش يوغوسلافيا كانت نقطة خلاف رئيسية. يرى معارضو مشروع فندق بلغراد أن هذا المبنى يمثل جزءًا مهمًا من تاريخ صربيا، وأنه يجب الحفاظ عليه كرمز للتحدي والصمود. بينما ترى الحكومة والمستثمرون أنه عقبة أمام التنمية الاقتصادية، وأن إعادة تطوير الموقع ستساهم في خلق فرص عمل وجذب السياحة.
احتجاجات شعبية وسجال سياسي متصاعد
أثار المشروع احتجاجات واسعة النطاق في بلغراد، حيث دعا المتظاهرون إلى الحفاظ على الأنقاض لما تحمله من قيمة معمارية وتاريخية. كما طالبوا بوقف ما وصفوه بـ”التلاعب بالقوانين” لتسهيل تنفيذ المشروع. تصاعدت هذه الاحتجاجات بعد ظهور مزاعم التزوير، وأصبحت تمثل تحديًا سياسيًا للحكومة الصربية.
بالإضافة إلى الاحتجاجات، شهدت الساحة السياسية سجالًا حادًا حول المشروع. اتهمت المعارضة الحكومة بالتورط في فساد، وبالتعاون مع مستثمرين أجانب على حساب المصلحة العامة. في المقابل، دافعت الحكومة عن المشروع، مؤكدة أنه يمثل فرصة استثمارية هامة ستساهم في تطوير بلغراد وتحسين مستوى معيشة المواطنين. الاستثمار الأجنبي في صربيا أصبح قضية مركزية في هذا النقاش.
رد فعل فوتشيتش وتداعيات الانسحاب
أبدى الرئيس فوتشيتش رد فعل قوي على الانسحاب، معربًا عن استيائه من “حملة التشهير” التي أدت إلى إفشال الصفقة. كما تعهد بالرد على من وصفهم بأنهم “المعوقين” للاستثمار، متهمًا إياهم بعرقلة مشروع كان من المتوقع أن يجلب استثمارات بقيمة 750 مليون يورو (حوالي 880 مليون دولار).
الانسحاب يمثل ضربة قوية لخطط الحكومة الصربية لتطوير بلغراد وجذب الاستثمارات الأجنبية. كما يثير تساؤلات حول مستقبل الموقع، وهل سيظل مجرد أنقاض مهملة أم سيتم إيجاد حل بديل يحافظ على قيمته التاريخية والمعمارية. من المرجح أن يستمر الجدل حول هذا الموضوع في الأيام والأسابيع القادمة، وأن يؤثر على المشهد السياسي في صربيا. التركيز الآن سينصب على البحث عن بدائل لتطوير بلغراد توازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على التراث الثقافي.
في الختام، يمثل انسحاب Affinity Partners من مشروع فندق بلغراد نقطة تحول هامة في هذا الملف الشائك. الجدل الدائر حول المشروع، والاتهامات بالتزوير والفساد، والاحتجاجات الشعبية، كلها عوامل ساهمت في هذا القرار. يبقى أن نرى ما إذا كانت الحكومة الصربية ستتمكن من إيجاد حل بديل يحقق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على التراث الثقافي لبلغراد.















