تُمثل السياسات الاستيطانية الإسرائيلية، وتحديداً تلك التي تتبعها حكومة بنيامين نتنياهو الحالية، تحدياً كبيراً لجهود السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. هذا التحدي يزداد تعقيداً مع استمرار التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، مما يُعرقل أي مساعي أمريكية، بما في ذلك جهود الرئيس دونالد ترامب، لإحداث تغيير إيجابي في المنطقة بالتنسيق مع السعودية وأوروبا. فهم الاستيطان الإسرائيلي وتأثيراته هو مفتاح فهم ديناميكيات الصراع المستمرة.
عائق أمام الاستقرار الإقليمي: تقييم صحيفة هآرتس
أكدت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في افتتاحية رئيسية أن حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة لا تكتفي بانتهاك القانون الدولي وإثارة غضب الحلفاء، بل تعمل بشكل منهجي على تدمير أي فرصة لتحقيق اتفاق سلام مستقبلي مع الفلسطينيين. الصحيفة لم تتردد في وصف هذه السياسات بأنها “وصفة مؤكدة للتصعيد” في المنطقة.
قرار تشريع البؤر الاستيطانية: خطوة مفصلية
الخطوة التي اعتبرتها هآرتس “مفصلية” هي قرار المجلس الوزاري المصغر مناقشة تشريع 19 بؤرة استيطانية في عمق شمال الضفة الغربية. هذا القرار يعني عملياً إلغاء خطة فك الارتباط التي كانت مُطبقة في تلك المنطقة، وفتح الباب أمام إعادة بناء المستوطنات التي تم إخلاؤها في عام 2005. هذا التوسع في الاستيطان يُعد بمثابة تحدٍ مباشر للمجتمع الدولي والاتفاقيات السابقة.
تداعيات أمنية محتملة في جنين والمناطق المحيطة
وفقاً للصحيفة، فإن هذه الخطوة الأحادية ستؤدي إلى تعزيز الوجود العسكري الإسرائيلي في مناطق كانت تخضع للسيطرة الفلسطينية بموجب اتفاقات أوسلو. هذا التعزيز، خاصة في محيط المدن المتوترة أمنياً مثل جنين، يزيد من احتمالية اندلاع مواجهات وتصعيد العنف. الوضع في جنين، تحديداً، يتطلب حذراً شديداً لتجنب أي تطورات سلبية.
منظومة الاستيطان: ليست مجرد تصرفات هامشية
تؤكد هآرتس أن مشروع الاستيطان الإسرائيلي ليس مجرد نتيجة تصرفات متطرفة من قبل مجموعات هامشية، بل هو منظومة متكاملة تشارك فيها مؤسسات الدولة الرسمية، والحركة الاستيطانية المنظمة، والمجموعات الراديكالية مثل “شباب التلال”. هذه المجموعات تستولي على الأراضي وتقيم بؤراً استيطانية غير قانونية، ثم تتولى الدولة مهمة شرعنتها من خلال أدوات قانونية مصممة خصيصاً لخدمة هذا المشروع. هذا الدعم المؤسسي يجعل من الصعب إيقاف أو حتى إبطاء عملية الاستيطان.
تغيير الموقف الأمريكي: فرصة استغلتها إسرائيل
وتشير الصحيفة إلى أن الحكومة الإسرائيلية الحالية استغلت التغيير في الموقف الأمريكي لصالحها، بعد مغادرة إدارة الرئيس جو بايدن التي كانت تحذر من الطابع الاستفزازي لتشريعات العودة إلى شمال الضفة الغربية. مع ما تصفه الصحيفة بـ “التعاطف” من الإدارة الأمريكية الحالية مع المستوطنين، تمضي إسرائيل في اختبار حدود ردود الفعل الدولية، حتى لو أدى ذلك إلى إشعال الضفة الغربية في ظل محاولات احتواء التصعيد في قطاع غزة. هذا الاستغلال للظروف السياسية يُظهر مدى تصميم الحكومة الإسرائيلية على المضي قدماً في مشروعها الاستيطاني.
مستقبل جهود السلام: هل هناك أمل؟
تخلص هآرتس إلى أن استمرار هذه السياسات الاستيطانية يجعل من المستحيل تحقيق أي اختراق سياسي أو أمني حقيقي. كما أنها تقوض بشكل مباشر أي مبادرة سلام أمريكية محتملة. لذلك، يجب على الرئيس ترامب أن يدرك أن حكومة نتنياهو والمستوطنين لا يدعمون جهوده، بل يعملون على إفشالها من الأساس. الوضع الحالي يتطلب إعادة تقييم شاملة لسياسات الاستيطان وتأثيرها على فرص السلام.
التركيز على حل الدولتين: ضرورة ملحة
على الرغم من التحديات الكبيرة، لا يزال التركيز على حل الدولتين هو الخيار الأكثر واقعية لتحقيق سلام دائم في المنطقة. ولكن هذا الحل يتطلب وقفاً فورياً لجميع أشكال الاستيطان، والالتزام بالقانون الدولي، وإعادة بناء الثقة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يحتاج إلى حل عادل وشامل يضمن حقوق جميع الأطراف.
في الختام، تُظهر تحليلات صحيفة هآرتس أن السياسات الاستيطانية الإسرائيلية تمثل عقبة رئيسية أمام تحقيق الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط. يتطلب الأمر جهوداً دولية مكثفة، وضغوطاً حقيقية على الحكومة الإسرائيلية، لإعادة النظر في هذه السياسات والالتزام بمسار السلام. ندعو القراء إلى مشاركة هذا المقال ومناقشة هذه القضية الهامة مع الآخرين.















