في صباح يوم الأربعاء، 17 ديسمبر 2025، شهدت مدينة بادالونا، الواقعة في منطقة العاصمة برشلونة بإسبانيا، عملية إخلاء واسعة النطاق لمبنى المعهد القديم المعروف باسم “B9”. هذه العملية، التي بدأت بتواجد مكثف للشرطة منذ مساء اليوم السابق، تضع حداً لوضع استمر لسنوات، حيث كان المبنى يؤوي أكثر من 400 مهاجر، مما جعله أكبر مستوطنة غير نظامية في كتالونيا وأحد أكثرها اكتظاظاً على مستوى إسبانيا. هذا الحدث يثير تساؤلات حول سياسات إخلاء المباني، وحقوق المهاجرين، والبدائل السكنية المتاحة لهم.

أمر قضائي ينهي وضعاً شاذاً: تفاصيل عملية إخلاء B9

جاءت عملية الإخلاء تنفيذاً لأمر قضائي صدر في 4 ديسمبر/كانون الأول، والذي أذن بإخلاء المبنى المملوك لمجلس المدينة خلال مدة أقصاها 15 يوماً، مع تحديد ساعات النهار للتنفيذ. وشاركت في العملية فرق من الشرطة المحلية، و”موسوس ديسكوادرا” (حرس التحقيق)، والشرطة الوطنية المكلفة بشؤون الهجرة، مما يعكس حساسية الموقف وتعقيداته.

وبرر مجلس مدينة بادالونا، بقيادة العمدة خافيير غارسيا ألبيول من الحزب الشعبي، هذا الإجراء بالإشارة إلى تدهور الأوضاع الأمنية والصحية داخل المبنى، بالإضافة إلى المشاكل المتعلقة بالتعايش المجتمعي. لكن هذه الذرائع قوبلت برفض من قبل العديد من الكيانات الاجتماعية ومنظمات دعم المهاجرين، التي حذرت من أن الإخلاء سيترك مئات الأشخاص بلا مأوى، خاصة مع غياب خطط إسكان بديلة واضحة.

المخاطر التي دفعت للإخلاء: تقارير عن تدهور الأوضاع

لم يكن قرار الإخلاء مفاجئاً، فقد كانت التقارير تتحدث منذ فترة طويلة عن الظروف الصعبة داخل مبنى B9. أفادت وسائل الإعلام المحلية بأن سلطات الصحة سجلت ما لا يقل عن تسع حالات إصابة بمرض السل بين سكانه قبل عامين.

سلسلة من الحوادث الأمنية

بالإضافة إلى المخاطر الصحية، شهدت المنطقة المحيطة بالمبنى سلسلة من الحوادث الأمنية في السنوات الأخيرة، بما في ذلك شجارات، وسرقات، وتجارة مخدرات، وصولاً إلى جريمة قتل مروعة وقعت في أغسطس الماضي، حيث طُعن شاب في العشرينات خلال شجار داخل المبنى. هذه الأحداث ساهمت في زيادة الضغوط على السلطات لاتخاذ إجراءات حاسمة.

وفي تعليقه على بدء العملية، نشر رئيس بلدية بادالونا رسالة على منصة X (تويتر سابقاً) جاء فيها: “كما وعدت، بدأت عملية إخلاء 400 من واضعي اليد غير القانونيين في B9 في بادالونا”. هذه الرسالة تعكس تصميمه على تنفيذ القرار القضائي، على الرغم من الانتقادات الواسعة التي وجهت له.

ردود الفعل والاحتجاجات: تضامن مع سكان B9

لم يمر قرار إخلاء المباني بسلاسة، فقد شهدت الأيام التي سبقت العملية تحركات واسعة من قبل منظمات المجتمع المدني ومجموعات دعم المهاجرين. غادر عدد من السكان المبنى طواعيةً، ربما خوفاً من المواجهة مع الشرطة أو أملاً في إيجاد حلول بديلة.

لكن الغالبية العظمى، ومعظمهم من ذوي الأصول جنوب الصحراء الكبرى، فضلوا البقاء في أماكنهم، متحدين التهديد الوشيك بالطرد. وقد استجاباً لدعوات الاحتجاج، نظمت منظمات اجتماعية ومجموعات دعم المهاجرين مظاهرات أمام المبنى في محاولة لوقف تنفيذ القرار أو على الأقل لزيادة الوعي الإعلامي والسياسي بقضيتهم.

مساعٍ قانونية لم تثمر عن نتيجة

لم تقتصر جهود هذه الجهات على الاحتجاجات فحسب، بل قدمت أيضاً التماساً عاجلاً إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، مطالبةً باتخاذ تدابير احترازية لتأجيل الإخلاء. ومع ذلك، لم يُثمر هذا الطلب عن أي نتيجة إيجابية، مما دفع السلطات إلى المضي قدماً في تنفيذ القرار. هذا الأمر يثير تساؤلات حول فعالية اللجوء إلى المحاكم الدولية في مثل هذه الحالات، وسرعة الاستجابة لطلبات الحماية العاجلة.

مستقبل سكان B9: الحاجة إلى حلول مستدامة

إن عملية إخلاء المباني في بادالونا ليست مجرد حدث محلي، بل هي جزء من مشكلة أوسع تتعلق بالهجرة والظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي تواجه العديد من المهاجرين في إسبانيا وأوروبا. فبعد الإخلاء، يواجه هؤلاء الأشخاص تحديات كبيرة في العثور على سكن بديل، وتأمين لقمة العيش، والاندماج في المجتمع.

من الضروري أن تتخذ السلطات المحلية والوطنية خطوات ملموسة لتوفير حلول إسكانية مستدامة للمتضررين، وتقديم الدعم اللازم لهم لمساعدتهم على إعادة بناء حياتهم. كما يجب معالجة الأسباب الجذرية للهجرة، والعمل على تحسين الظروف المعيشية في بلدانهم الأصلية، لتقليل الضغوط على الدول المضيفة. بالإضافة إلى ذلك، يجب تعزيز الحوار والتفاهم بين المجتمعات المختلفة، ومكافحة التمييز والعنصرية، لخلق بيئة أكثر ترحيباً وشمولية للمهاجرين. إن التعامل مع قضية الوضع السكني للمهاجرين يتطلب رؤية شاملة وجهوداً متضافرة من جميع الأطراف المعنية.

وفي الختام، يمثل إخلاء مبنى B9 في بادالونا لحظة حاسمة في التعامل مع قضايا الهجرة والإسكان في إسبانيا. يتطلب هذا الحدث تقييماً دقيقاً للسياسات المتبعة، والبحث عن حلول أكثر إنسانية واستدامة، تضمن حقوق وكرامة جميع الأفراد، بغض النظر عن وضعهم القانوني أو أصلهم. نأمل أن يكون هذا الحدث بمثابة دعوة للاستيقاظ، وأن يدفع إلى اتخاذ إجراءات فعالة لمعالجة هذه المشكلة المعقدة.

شاركها.
اترك تعليقاً