في تطور يثير تساؤلات واسعة، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرسومًا رئاسيًا جديدًا يفرض قيودًا مشددة على دخول مواطني عدد من الدول إلى الولايات المتحدة، بما في ذلك دول عربية. يأتي هذا القرار في سياق سياسات الهجرة المتغيرة التي يتبعها الرئيس ترامب، والتي كانت محورًا رئيسيًا في حملاته الانتخابية. يهدف هذا المقال إلى تحليل تفاصيل هذا المرسوم، والأسباب المعلنة وراءه، وتأثيراته المحتملة على المتضررين.

قيود جديدة على السفر: نظرة عامة على المرسوم الرئاسي

المرسوم الجديد يوسع نطاق القيود المفروضة على السفر ليشمل دولًا إضافية، بالإضافة إلى تلك التي كانت مشمولة بالقرارات السابقة. ووفقًا للبيت الأبيض، فإن هذه الإجراءات ضرورية لحماية الأمن القومي للولايات المتحدة. تشمل الدول التي فرض عليها حظر كامل: سوريا، وجنوب السودان، وبوركينا فاسو، ومالي، والنيجر. بالإضافة إلى ذلك، تم حظر دخول حاملي وثائق السفر الصادرة عن السلطة الفلسطينية بشكل كامل.

هذا التوسع يضاف إلى قائمة الدول الـ 12 الأخرى التي سبق أن صدر بحقها حظر دخول في يونيو الماضي، وهي: أفغانستان، وميانمار، وتشاد، وجمهورية الكونغو، وغينيا الاستوائية، وإريتريا، وهايتي، وإيران، وليبيا، والصومال، والسودان، واليمن. كما فرضت قيود جزئية على 15 دولة إضافية، مع استمرار القيود الجزئية على أربع دول من قائمة الدول السبع الأصلية.

تفاصيل القيود: من يشملهم الحظر وما هي الاستثناءات؟

المرسوم لا يطبق بشكل شامل على الجميع. فقد نص على استثناءات للمقيمين الدائمين الشرعيين، وحاملي التأشيرات الحالية، وفئات محددة مثل الرياضيين والدبلوماسيين، والأفراد الذين يخدم دخولهم المصالح الأمريكية. ومع ذلك، فإن نطاق الحظر الموسع يثير قلقًا بشأن تأثيره على الطلاب والباحثين، وكذلك على العائلات التي تسعى لللم شمل. كما رفع المرسوم الحظر على تأشيرات غير المهاجرين الصادرة عن تركمانستان، مع بقاء تعليق على دخول مواطنيها بصفة مهاجرة، وذلك تقديراً لتعاونها مع الولايات المتحدة.

أسباب الحظر وتبريرات الإدارة الأمريكية

البيت الأبيض قدم تبريرات محددة لكل دولة مشمولة بالقيود. فيما يتعلق بسوريا، أشار البيت الأبيض إلى نقص السلطة المركزية الفعالة في إصدار الوثائق المدنية وإجراءات التدقيق المناسبة. كما ذكر أن نسبة تجاوز مدة الإقامة للسوريين الحاصلين على تأشيرات سياحية وقصيرة الأجل بلغت 7%، و9% للطلاب.

أما بالنسبة للفلسطينيين، فقد برر البيت الأبيض الحظر بـ “ضعف أو انعدام سيطرة السلطة الفلسطينية” على الضفة الغربية وقطاع غزة، مما يجعل التحقق من هوية حاملي وثائق السفر الفلسطينية أمرًا صعبًا. وبالنسبة لموريتانيا، فقد أشارت التقارير إلى ارتفاع نسب تجاوز مدة الإقامة بتأشيرات قصيرة الأجل إلى 9%، بالإضافة إلى محدودية سيطرة الحكومة الموريتانية على بعض المناطق.

تأثير القيود على مواطني الدول العربية

المرسوم له تأثير مباشر على مواطني سوريا وليبيا واليمن، والموريتانيين، بالإضافة إلى الفلسطينيين. يواجه هؤلاء صعوبات متزايدة في الحصول على تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة، سواء للسياحة أو الدراسة أو العمل. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي الحظر إلى فصل العائلات، وتعطيل الخطط الدراسية والمهنية. قيود السفر هذه تزيد من تعقيد إجراءات الهجرة وتعرض الأفراد للظروف الصعبة.

سياق تاريخي: قرارات مماثلة في عهد ترامب

هذا القرار ليس الأول من نوعه في عهد ترامب. ففي عام 2017، أصدر الرئيس السابق أمرًا تنفيذيًا فرض قيودًا صارمة على دخول مواطني دول ذات أغلبية مسلمة، بما في ذلك سوريا. وقد أيدت المحكمة العليا هذا القرار في وقت لاحق. لكن الرئيس جو بايدن ألغى هذا الأمر في أول أيام ولايته عام 2021. العودة إلى هذه السياسات الهجرية تثير جدلاً واسعًا حول التزامات الولايات المتحدة بحقوق الإنسان وقضايا التنوع.

تداعيات مستقبلية وآفاق التغيير

من غير الواضح ما إذا كان هذا المرسوم سيواجه تحديات قانونية مماثلة لتلك التي واجهها قرار 2017. ومع ذلك، فإنه يمثل بالتأكيد نقطة تحول في سياسة الهجرة الأمريكية. إن هذه القيود على دخول الأجانب تثير تساؤلات حول صورة الولايات المتحدة كمنارة للأمل والفرص. من المرجح أن يؤثر هذا القرار على العلاقات الدبلوماسية مع الدول المتضررة، وربما يدفع بها إلى إعادة تقييم تعاونها مع الولايات المتحدة في مجالات الأمن والإقتصاد.

بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي هذا المرسوم إلى زيادة الضغوط من قبل منظمات حقوق الإنسان والجهات الفاعلة السياسية من أجل إصلاح شامل لسياسات الهجرة الأمريكية. يتطلب إجراءات السفر الحالية مراجعة شاملة لضمان العدالة والشفافية. المرسوم الجديد يمثل فرصة لمناقشة معمقة حول قيم الأمن القومي والتنوع والإنسانية، وكيفية التوفيق بينها في سياق عالمي متغير.

شاركها.
اترك تعليقاً