تعتبر الشراكة الاقتصادية بين الهند وسلطنة عمان خطوة استراتيجية هامة لكلا البلدين، حيث تم توقيع اتفاقية شاملة في هذا الصدد مؤخرًا. يأتي هذا التطور في سياق سعي الهند لتنويع علاقاتها التجارية والاستثمارية، خاصةً مع تصاعد التوترات التجارية العالمية والرسوم الجمركية المفروضة على الصادرات الهندية. تهدف هذه الاتفاقية إلى تعزيز التعاون في مختلف القطاعات وفتح آفاق جديدة للنمو الاقتصادي لكلا الطرفين.
تعزيز العلاقات الثنائية من خلال اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة
في يوم الخميس الموافق 18 ديسمبر 2025، شهدت مسقط توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية بين الهند وسلطنة عمان بحضور رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. تجسد هذه الاتفاقية مرحلة جديدة من التعاون الوثيق بين البلدين، وتسعى إلى تسهيل حركة التجارة والاستثمار بشكل أكبر. يأتي هذا الاتفاق في وقت حرج بالنسبة للهند، التي تواجه تحديات متزايدة في الوصول إلى الأسواق العالمية بسبب القيود التجارية.
تتجاوز قيمة التبادل التجاري الحالية بين الهند وسلطنة عمان 10 مليارات دولار سنويًا، مما يدل على قوة العلاقات الاقتصادية القائمة. لكن هذه الاتفاقية تهدف إلى رفع هذه الأرقام وتحقيق نمو مستدام في المستقبل. كما أن الموقع الاستراتيجي لسلطنة عمان، عند مدخل مضيق هرمز، يجعلها شريكًا حيويًا للهند في تأمين إمدادات الطاقة.
أهمية الاتفاقية للهند في ظل التوترات التجارية
تلعب هذه الاتفاقية دورًا محوريًا في استراتيجية الهند لتنويع شراكاتها التجارية وتقليل الاعتماد على أسواق معينة. فبعد تدهور العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة بسبب الرسوم الجمركية المرتفعة، وتسارع وتيرة البحث عن بدائل، وجد الاقتصاد الهندي ضالته في تعزيز التعاون مع دول أخرى في الشرق الأوسط، بما في ذلك سلطنة عمان.
وقد فرض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب رسومًا جمركية على السلع الهندية وصلت إلى 50% في أواخر أغسطس، وهي الأعلى على مستوى العالم، وذلك ردًا على شراء الهند للنفط من روسيا. هذا الإجراء أثر سلبًا على الصادرات الهندية، مما دفع نيودلهي إلى تسريع وتيرة المفاوضات مع دول أخرى.
تفاصيل اتفاقية الشراكة والمذكرات الموقعة
لم تقتصر الزيارة على توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية بين الهند وسلطنة عمان فقط، بل شهدت أيضًا تبادل العديد من مذكرات التفاهم والاتفاقيات في مجالات مختلفة. تشمل هذه المذكرات:
- مذكرة تفاهم في مجال التراث البحري والمتاحف، لتعزيز التعاون الثقافي والسياحي.
- مذكرة تفاهم في مجال الزراعة والقطاعات ذات الصلة، لتطوير الإنتاج الزراعي وتبادل الخبرات.
- مذكرة تفاهم حول التعاون في مجال التعليم العالي، لتبادل الطلاب والباحثين وتطوير البرامج التعليمية.
- مذكرة تفاهم بين غرفة تجارة وصناعة عُمان واتحاد الصناعات الهندية، لتعزيز التعاون بين القطاعين الخاصين في البلدين.
- الإعلان عن وثيقة الرؤية البحرية المشتركة، لتطوير التعاون في المجالات البحرية والاقتصاد الأزرق.
- برنامج تنفيذي للتعاون في مجال زراعة الدخن في سلطنة عُمان، لتدعيم الأمن الغذائي.
هذه الاتفاقيات تعكس الرغبة المشتركة في تعزيز التعاون في مختلف القطاعات وتحقيق التنمية المستدامة.
فرص واعدة في قطاعات متنوعة
تفتح هذه الشراكة الاقتصادية بين الهند وسلطنة عمان الباب أمام فرص استثمارية هائلة في مجموعة واسعة من القطاعات. من المتوقع أن تشهد قطاعات الطاقة المتجددة، والبنية التحتية، والسياحة، والزراعة، والتكنولوجيا نموًا ملحوظًا بفضل هذه الاتفاقية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للشركات الهندية الاستفادة من البيئة الاستثمارية الجذابة في سلطنة عمان، والتي توفر حوافز وتسهيلات للمستثمرين الأجانب. بينما يمكن للشركات العمانية الوصول إلى سوق هندية ضخمة ومتنامية.
التجارة والاستثمار في قطاع الطاقة
سلطنة عمان، باعتبارها دولة غنية بالنفط والغاز، تمثل شريكًا استراتيجيًا للهند في مجال الطاقة. من المتوقع أن تساهم هذه الاتفاقية في زيادة تدفق الاستثمارات الهندية إلى قطاع الطاقة العماني، لا سيما في مجالات تكرير النفط والبتروكيماويات والطاقة المتجددة. كما يمكن للهند الاستفادة من البنية التحتية المتطورة في سلطنة عمان لتصدير النفط والغاز إلى الأسواق العالمية.
مستقبل العلاقات الهندية العمانية
تعتبر اتفاقية الشراكة الاقتصادية بين الهند وسلطنة عمان علامة فارقة في تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين. إنها ليست مجرد اتفاقية تجارية، بل هي شراكة استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة والرخاء لكلا الشعبين.
مع استمرار الهند في سعيها لتنويع علاقاتها التجارية والاستثمارية، من المرجح أن تلعب سلطنة عمان دورًا متزايد الأهمية في الاقتصاد الهندي. وسيعزز هذا التعاون مكانة الهند كقوة اقتصادية صاعدة في المنطقة والعالم. وتشير التوقعات إلى أن هذه الاتفاقية ستشجع على مزيد من التعاون في مجالات أخرى، مثل الدفاع والأمن ومكافحة الإرهاب.
في الختام، تمثل هذه الاتفاقية خطوة جريئة نحو تعزيز العلاقات الهندية العمانية، وستساهم بشكل كبير في تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة لكلا البلدين. إنها فرصة سانحة لتعزيز التعاون الثنائي وتوسيع آفاق التبادل التجاري والاستثماري في المستقبل القريب.















