العودة من “داعش”: سجن فرنسية لمدة عشر سنوات بعد إدانتها بالانتماء للتنظيم
شهدت المحاكم الفرنسية حكمًا بارزًا بإدانة فرنسية عائدة من معسكرات شمال شرق سوريا بالانتماء إلى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”. هذا الحكم، الذي يأتي في سياق تزايد القضايا المتعلقة بالمتطرفين العائدين، يثير تساؤلات حول كيفية التعامل مع هؤلاء الأفراد وتأهيلهم، خاصةً مع التعقيدات النفسية والاجتماعية التي غالبًا ما تدفعهم للانخراط في الجماعات الإرهابية. تتناول هذه المقالة تفاصيل القضية، الظروف التي أدت إلى انضمام كارول سون إلى “داعش”، والاعتبارات القانونية والنفسية التي أثرت على الحكم.
تفاصيل القضية والحكم الصادر
قضت محكمة جنايات خاصة في باريس، يوم الخميس الموافق 19 ديسمبر 2025، بسجن كارول سون لمدة عشر سنوات بتهمة الانتماء إلى تنظيم “داعش”. وقد جاء هذا الحكم بعد محاكمة استمرت ثلاثة أيام، حيث تم إدانة سون بالانضمام إلى “عصابة أشرار إرهابية”. بالإضافة إلى عقوبة السجن، قررت المحكمة إخضاعها لمتابعة اجتماعية قضائية لمدة خمس سنوات، مع أمر قضائي بتوفير العلاج النفسي اللازم لها.
تعود تفاصيل القضية إلى عام 2014، حين غادرت سون، التي كانت تبلغ من العمر 18 عامًا، فرنسا برفقة شقيقها إلى سوريا. وفي ديسمبر 2017، تم اعتقالها من قبل القوات الكردية أثناء معارك ضد التنظيم على ضفاف نهر الفرات. بعد سنوات، عادت سون إلى فرنسا في يوليو 2022، ضمن عملية إعادة جماعية للأطفال وأمهاتهم، وهي أول عملية من هذا النوع منذ سقوط “دولة الخلافة” عام 2019. هذه العودة أثارت جدلاً واسعًا حول سياسات إعادة تأهيل المقاتلين السابقين وأفراد عائلاتهم.
تأثير التطرف والصدمات الشخصية
خلال المحاكمة، كشفت سون عن الظروف التي أدت إلى انضمامها إلى “داعش”. أفادت بأنها تعرضت لصدمات نفسية عميقة في حياتها، بما في ذلك اغتصاب جماعي وهي في الرابعة عشرة من عمرها، مما أثر بشكل كبير على حالتها النفسية ودفعها للبحث عن ملاذ في الأيديولوجيات المتطرفة. وقد تأثرت بشكل خاص بالدعاية المتطرفة المنتشرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، التي استغلت ضعفها وهشاشتها النفسية لجذبها إلى صفوف التنظيم.
أشارت المحكمة أيضًا إلى أن سون، والتي نشأت في عائلة مسيحية محافظة في ضواحي باريس، قد خالطت في سوريا أفرادًا معروفين بارتكاب فظائع، وحتى مقاتلين شاركوا في اعتداءات باريس عام 2015. وتعاملت مع شخصيات متطرفة مثل صلاح الدين غيتون، الداعية الفرنسي الذي قابلته على فيسبوك وتزوجته لفترة وجيزة قبل مقتله في المعارك. زواجها الثاني كان من عضو في جهاز الاستخبارات التابع لـ “داعش”، وهو حاليًا معتقل في العراق. تُظهر هذه التفاصيل مدى التشابك بين الصدمات الشخصية والتجنيد المتطرف، مما يجعل عملية إعادة التأهيل أكثر تعقيدًا.
قضية المتطرفين العائدين: نظرة أوسع
تأتي قضية كارول سون في سياق تحدٍ أكبر تواجهه فرنسا، وهو التعامل مع المتطرفين العائدين من مناطق الصراع. تشير الإحصائيات إلى أن النساء يشكلن أكثر من ثلث الفرنسيين الذين انضموا إلى “داعش” في العراق وسوريا، حيث بلغ عددهم حوالي 1500 شخص. حتى الآن، عاد 160 منهم إلى فرنسا، بينما تم إحالة ثلاثين امرأة إلى المحاكم الخاصة منذ عام 2017، بينما يخضع البعض الآخر للمحاكمة أمام محاكم جنايات عادية.
يعكس هذا العدد الكبير من العائدين الحاجة إلى استراتيجية شاملة لمعالجة التطرف وإعادة تأهيل هؤلاء الأفراد. يتطلب ذلك فهمًا عميقًا للعوامل التي تدفع الناس إلى الانضمام إلى الجماعات الإرهابية، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي اللازم لهم. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تضمن السلطات الأمنية مراقبة هؤلاء الأفراد عن كثب لمنعهم من العودة إلى العنف. التعامل مع هذه القضايا يتطلب توازنًا دقيقًا بين الحفاظ على الأمن وحماية حقوق الإنسان. عودة المتطرفين ليست ظاهرة فرنسية فقط بل تواجهها العديد من الدول الأوروبية.
تحديات إعادة التأهيل والمسؤولية المجتمعية
إن الحكم على كارول سون، مع إرفاقه ببرنامج متابعة وعلاج نفسي، يعكس اعترافًا من المحكمة بأهمية إعادة التأهيل. ومع ذلك، فإن عملية إعادة التأهيل هذه ليست سهلة وتواجه العديد من التحديات. فمن ناحية، قد يكون من الصعب على هؤلاء الأفراد التخلص من الأفكار المتطرفة التي ترسخت في أذهانهم. ومن ناحية أخرى، قد يواجهون صعوبة في الاندماج مرة أخرى في المجتمع بسبب وصمة العار المرتبطة بهم.
الاندماج الاجتماعي هو مفتاح النجاح في إعادة التأهيل، ويتطلب ذلك جهودًا متضافرة من جميع أطراف المجتمع، بما في ذلك الحكومة، ومنظمات المجتمع المدني، والأسر. يجب توفير فرص تعليمية وتدريبية لهؤلاء الأفراد لمساعدتهم على اكتساب المهارات اللازمة للمشاركة في سوق العمل. بالإضافة إلى ذلك، يجب مكافحة التمييز والتحيز ضد هؤلاء الأفراد وتشجيع الحوار والتفاهم. مكافحة التطرف ليست مجرد مسؤولية أمنية، بل هي أيضًا مسؤولية مجتمعية.
الخلاصة
قضية كارول سون تسلط الضوء على التعقيدات المتعددة الأوجه المتعلقة بالمتطرفين العائدين من مناطق الصراع. إن التعامل مع هذه القضايا يتطلب نهجًا شاملاً يجمع بين العدالة، والأمن، وإعادة التأهيل. يجب على فرنسا والدول الأوروبية الأخرى الاستمرار في تطوير استراتيجيات فعالة لمواجهة التطرف وضمان سلامة مجتمعاتها. إن فهم الدوافع التي تدفع الناس إلى الانخراط في الجماعات الإرهابية، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي اللازم لهم، وتعزيز الاندماج الاجتماعي، هي خطوات أساسية نحو بناء مجتمع أكثر أمانًا وتسامحًا. النقاش حول سياسات إعادة التأهيل يجب أن يستمر لضمان أفضل الممارسات في هذا المجال الحساس.














