شهدت السنوات الأخيرة تحولاً ملحوظاً في المشهد العلمي العالمي، مع هجرة متزايدة للعلماء من الولايات المتحدة إلى وجهات أخرى. وتبرز فرنسا وكندا والصين كدول جاذبة، مما يثير تساؤلات حول قدرة الجامعات العربية على الاستفادة من هذا التحول واستقطاب هذه الكفاءات. هذا التوجه يعود إلى عدة عوامل، بما في ذلك التغيرات في سياسات التمويل والقيود المفروضة على البحث العلمي في أمريكا.
أعلنت فرنسا عن تخصيص 100 مليون يورو لجذب الباحثين الدوليين، في حين أطلقت كندا مبادرات خاصة لاستقطاب طلاب الدكتوراه الأمريكيين. كما يستعد برنامج “اختر أوروبا للعلوم” لاستثمار 500 مليون يورو بحلول عام 2027. هذه الجهود تعكس رغبة هذه الدول في تعزيز مكانتها كقوى علمية رائدة، وتأتي في وقت يشهد فيه البحث العلمي تحديات متزايدة.
هجرة العلماء وتأثيرها على الجامعات العربية
تأتي هجرة العلماء في ظل مخاوف متزايدة بشأن مستقبل البحث العلمي في الولايات المتحدة، خاصةً مع التغيرات السياسية والاقتصادية الأخيرة. ويرى خبراء أن خفض التمويل وقيود السفر قد تكون من بين الأسباب الرئيسية التي تدفع العلماء إلى البحث عن فرص أفضل في بلدان أخرى. هذا الوضع يمثل تحديًا للجامعات الأمريكية، ولكنه قد يفتح أيضًا آفاقًا جديدة للجامعات العربية للاستفادة من هذه الكفاءات.
فرص وتحديات الاستقطاب
يقول الدكتور مصطفى العبسي، الأستاذ بكلية الطب جامعة مينيسوتا، إن بعض الدول العربية، مثل قطر والإمارات العربية السعودية والمملكة العربية السعودية، تتمتع بالإمكانات اللازمة لاستقبال العلماء المهاجرين بفضل تمويلها القوي وبنيتها التحتية المتطورة. إلا أنه أشار إلى أن دولًا أخرى في شمال أفريقيا، مثل مصر والمغرب وتونس، قد تواجه تحديات تتعلق بالتمويل وهجرة الأدمغة.
من جهته، يرى الدكتور وائل الدليمي، أستاذ الصحة العامة في جامعة كاليفورنيا سان دييغو، أن الدول العربية تحتاج إلى تهيئة ظروف بحثية مواتية وتقديم حوافز مالية تنافسية لجذب العلماء. ويضيف أن الحرية الأكاديمية وحرية التعبير تعتبران من العوامل الأساسية التي يبحث عنها العلماء عند اختيار وجهة عملهم.
الاستثمار في البنية التحتية والبيئة البحثية
يشدد الدكتور هاني جودارزي، الأستاذ المشارك في قسم الفيزياء الحيوية والكيمياء الحيوية في جامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو، على أهمية توفير أحدث الأجهزة والمختبرات والبيئات البحثية المحفزة للعلماء. ويؤكد أن الدول التي تلتزم بتمويل العلوم وتقديم الدعم اللازم للباحثين ستكون الأكثر جاذبية.
وتواجه الجامعات العربية تحديًا كبيرًا في هذا الصدد، حيث لا تزال تعاني من نقص في التمويل والبنية التحتية البحثية. بالإضافة إلى ذلك، قد تعيق القيود البيروقراطية وغياب الحرية الأكاديمية جهود استقطاب العلماء.
تجربة الصين في استقطاب المواهب
في خطوة تهدف إلى تعزيز قدراتها العلمية والتكنولوجية، أعلنت الصين عن إصدار فئة جديدة من التأشيرات للمواهب الشابة في مجال العلوم والتكنولوجيا. وتأتي هذه المبادرة في إطار جهود أوسع لتسهيل دخول الأجانب ذوي المهارات العالية إلى البلاد، وتعزيز التعاون الدولي في مجال البحث العلمي.
وتشير التقارير إلى أن الصين قد شهدت زيادة ملحوظة في عدد الرحلات التي قام بها مواطنون أجانب في الأشهر الأخيرة، مما يعكس جاذبيتها المتزايدة للعلماء والباحثين من جميع أنحاء العالم.
مستقبل البحث العلمي في العالم العربي
يتطلب استقطاب العلماء المهاجرين من الولايات المتحدة إلى الجامعات العربية جهودًا متضافرة من الحكومات والمؤسسات التعليمية والبحثية. يتضمن ذلك زيادة التمويل المخصص للبحث العلمي، وتحسين البنية التحتية البحثية، وتوفير بيئة أكاديمية حرة ومحفزة.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على الجامعات العربية العمل على بناء شراكات مع الجامعات والمؤسسات البحثية الرائدة في العالم، وتبادل الخبرات والمعرفة. من المتوقع أن تشهد المنطقة العربية منافسة متزايدة على استقطاب العلماء، وسيتطلب النجاح في هذا المجال تقديم حوافز تنافسية وتسهيلات إضافية.
في الختام، يظل مستقبل البحث العلمي في العالم العربي مرتبطًا بالقدرة على جذب واستبقاء الكفاءات العلمية، والاستثمار في البنية التحتية والبيئة البحثية. من المقرر أن تعلن العديد من الدول العربية عن خطط جديدة لتعزيز البحث العلمي في الأشهر القادمة، وسيكون من المهم متابعة هذه الخطط وتقييم مدى فعاليتها في تحقيق الأهداف المرجوة.















