في تطور علمي مثير، نجح باحثون سويديون في تتبع هجرة الطيور بتفاصيل غير مسبوقة، وذلك باستخدام جهاز تتبع صغير للغاية. تفتح هذه الدراسة، التي ركزت على طائر “الصرد أحمر الظهر”، آفاقًا جديدة لفهم سلوك الهجرة المعقد لدى الطيور الصغيرة، وكيفية تأثير العوامل الوراثية والبيئية على خطط رحلاتها السنوية. أظهرت النتائج أن هذه الطيور لا تتبع مسارات عشوائية، بل لديها برنامج داخلي دقيق لتنظيم هجرتها.
أجرى فريق من جامعة لوند في السويد هذه الدراسة، حيث قاموا بتزويد الطيور بأجهزة تسجيل بيانات متعددة المستشعرات، بوزن يبلغ حوالي جرام واحد فقط. سمحت هذه الأجهزة للباحثين بتسجيل أنماط طيران الطيور على مدار العام، بما في ذلك توقيت الرحلات، مدتها، وعدد التوقفات التي تقوم بها. هذه التفاصيل كانت غير قابلة للقياس باستخدام طرق التتبع التقليدية.
عندما يصبح العام كله قابلا للقياس
لطالما كانت دراسة هجرة الطيور الصغيرة تحديًا للعلماء، بسبب صعوبة تزويدها بأجهزة تتبع ثقيلة بما يكفي لتوفير بيانات ذات مغزى. في الماضي، اعتمد الباحثون على حلقات التعريف التي تتطلب إعادة مشاهدة الطيور وتحديدها بعد هجرتها، أو على أجهزة تتبع أثقل توفر بيانات متقطعة وغير كاملة. هذه المقاربة الجديدة تتيح الحصول على صورة متكاملة لرحلة الطائر.
أظهرت البيانات التي جمعها الباحثون أن هجرة الصرد أحمر الظهر منظمة بشكل مدهش، مقسمة إلى مقاطع متكررة تتضمن فترات طيران متقاربة التوقيت تليها فترات توقف. هذا يشير إلى وجود برنامج داخلي يحدد إيقاع الهجرة، مع قدر من المرونة يسمح للطيور بالتكيف مع الظروف المحيطة.
برنامج دقيق للهجرة
وبحسب الدراسة، فإن الاختلاف في إجمالي وقت الطيران بين الأفراد ضئيل للغاية، حيث يطير كل طائر في المتوسط حوالي 270 ساعة موزعة على 43 رحلة ليلية وقطع مسافة تزيد عن 11 ألف كيلومتر. هذا الانتظام يثير تساؤلات حول الآليات التي تكمن وراء تنظيم هجرة الطيور على هذا المستوى من الدقة.
يشير الباحثون إلى أن الطيور لا تتبع ببساطة خطة مبرمجة مسبقًا، بل إنها تستخدم “منظومة تغذية راجعة” تجمع بين المعلومات الوراثية والإشارات البيئية. تساعد هذه المنظومة الطيور في اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن توقيت فترات الطيران والتوقف، مع ضمان الوصول إلى وجهتها في الوقت المناسب. عوامل مثل توافر الغذاء والرياح والظروف الجوية تلعب دورًا هامًا في هذا التكيف.
قد يشير هذا الاكتشاف إلى أن الطيور ترث مخططًا تفصيليًا للهجرة، ولكنها تحتفظ ببعض “حرية التصرف” في كيفية تنفيذ هذا المخطط. هذا يسمح لها بالتكيف مع الظروف المتغيرة واتخاذ أفضل القرارات لضمان بقائها على قيد الحياة. دراسة سلوك الطيور يمكن أن تقدم رؤى قيمة حول قدرتها على التكيف مع البيئات المختلفة.
يُذكر أن هذا البحث يمثل خطوة مهمة في فهم الآليات البيولوجية والبيئية التي تحكم هجرة الحيوانات. البيانات التي تم جمعها يمكن أن تُستخدم أيضًا في جهود الحفاظ على الطيور المهاجرة، من خلال تحديد المناطق الهامة التي تحتاج إلى حماية وضمان بقاء هذه الأنواع على قيد الحياة. كما قد تساعد في فهم تأثير تغير المناخ والأنشطة البشرية على مسارات الهجرة.
التحديات المستقبلية
في المرحلة القادمة، يخطط الباحثون لتحليل البيانات التي تم جمعها من عدد أكبر من الطيور، وتوسيع نطاق الدراسة ليشمل أنواعًا أخرى من الطيور المهاجرة. يهدفون إلى فهم أفضل لكيفية تطور هذه البرامج الداخلية للهجرة، وكيف تتأثر بالعوامل الوراثية والبيئية. هناك حاجة أيضًا إلى تطوير أجهزة تتبع أصغر وأكثر كفاءة، لتمكين دراسة هجرة الحيوانات الأخرى التي قد تكون أصغر حجمًا وأكثر حساسية. من المتوقع أن يتم نشر النتائج الأولية لهذه الدراسات الإضافية في غضون عام واحد.















