موسكو – لم يكن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض حصار شامل على جميع ناقلات النفط المصرح لها بالدخول إلى فنزويلا أو مغادرتها مجرد حدث ذي أهمية إقليمية، بل له تداعيات عالمية واسعة النطاق. هذا القرار، الذي يهدف إلى خنق اقتصاد فنزويلا، يضع علاقات روسيا مع هذا البلد في دائرة الخطر، ويؤثر بشكل مباشر على مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية. ورغم أن القرار الأمريكي سيزيد من صعوبة شراء النفط الفنزويلي بشكل غير رسمي من قبل الأوروبيين، إلا أن تركيزه الأساسي، بحسب مراقبين روس، هو على عرقلة صادرات النفط إلى الصين، عبر محاولة اعتراض ناقلات النفط المختلفة. ويثير هذا التطور تساؤلات حول مستقبل التعاون الروسي الفنزويلي، خاصةً بعد توقيع اتفاقيات جديدة في مجال الطاقة.
الحصار على فنزويلا: توقيت مُعلَن و دوافع خفية
جاء قرار ترامب بعد شهر واحد فقط من موافقة البرلمان الفنزويلي على تمديد مشاريع النفط المشتركة مع روسيا حتى عام 2041. هذا التمديد يهدف إلى تعزيز التحالف الاستراتيجي في مجال الطاقة بين البلدين في ظل العقوبات الدولية المتزايدة. الاتفاقية تشمل تطوير حقلي “بوكيرون” و “بتروبيريجا” الرئيسيين غرب فنزويلا، بإنتاج متوقع يصل إلى 91 مليون برميل من النفط، واستثمارات إجمالية تقدر بحوالي 616 مليون دولار على مدى 15 عامًا.
العديد من المراقبين يربطون هذا القرار ارتباطًا وثيقًا بالأزمة الأوكرانية الروسية، معتبرين إياه جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى إضعاف قدرة روسيا على المناورة الاقتصادية. يُضاف إلى ذلك، أن هذا الحصار يأتي في وقت تبحث فيه الولايات المتحدة عن أدوات للضغط على روسيا وتقليل نفوذها العالمي.
كيف يؤثر الحصار البحري على المصالح الروسية؟
الحصار البحري المفروض على فنزويلا يمثل تحديًا كبيرًا للمصالح الروسية في عدة جوانب. فلاديمير أوليتشينكو، باحث في المعهد الأعلى للاقتصاد، يرى أن هذا الحصار له تداعيات ومخاطر اقتصادية وتجارية كبيرة، ويوجه ضربة قوية للشركات النفطية الروسية.
تعقيدات لوجستية وضغوط عقوبات
يوضح أوليتشينكو أن الحصار يعقد بشكل كبير الخدمات اللوجستية للشركات الروسية مثل “روسنفت” و “لوك أويل” التي تعاني بالفعل من ضغوط العقوبات الأمريكية. بالإضافة إلى ذلك، فإن فرض تعريفات جمركية بنسبة 25% على السلع القادمة من الدول المستوردة للنفط الفنزويلي يُخلق عوائق مالية إضافية أمام التعاون الدولي الذي تشارك فيه روسيا.
ارتفاع أسعار الطاقة وتأثير العقوبات الثانوية
كما أدى قرار الحصار إلى ارتفاع حاد في أسعار الطاقة العالمية. وبينما قد يبدو هذا الأمر مفيدًا للميزانية الروسية على المدى القصير، إلا أن عدم استقرار السوق والتهديد بفرض عقوبات ثانوية على مشتري النفط الروسي، مثل الصين، يمكن أن يقلل من هذا الأثر الإيجابي. و يظهر هنا تأثير العقوبات على التعاون الاقتصادي بين البلدين.
مستقبل المشاريع الروسية الفنزويلية في ظل العقوبات
السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل ستؤدي العقوبات الأمريكية إلى تجميد المشاريع المشتركة بين موسكو وكراكاس؟ يرى أوليتشينكو أن تجميدها الكامل أمر غير مرجح، نظرًا لتكيف كلا الجانبين مع نظام العقوبات. ومع ذلك، يتوقع أن تصبح هذه المشاريع أكثر تكلفة ومخاطرة، مما يستلزم استخدام أساليب معقدة للتحايل عليها للحفاظ على التعاون الاستراتيجي.
بالنظر إلى أن العقوبات المفروضة على فنزويلا ستشتد بحلول نهاية العام الحالي، فإنها تشكل عقبات جدية أمام المشاريع المشتركة. لكن كلا البلدين يواصلان تعزيز علاقاتهما الثنائية، حيث أن العقوبات الأخيرة تشكل حافزًا لاستكشاف آليات بديلة للتعاون خارج النظام المالي الأمريكي. و يصبح هنا التجفيف المالي أحد أبرز نتائج الحصار.
الديون الروسية في فنزويلا: هل تعيق العقوبات السداد؟
تجميد الولايات المتحدة لملايين الدولارات من أصول الحكومة وشركة النفط الفنزويلية يحرم كراكاس من الوصول إلى عائدات النقد الأجنبي من صادرات النفط، وهو المصدر الرئيسي للسيولة اللازمة لخدمة ديونها الخارجية، بما في ذلك الديون المستحقة لروسيا.
أندريه زايتسيف، خبير اقتصادي، يوضح أن العقوبات والقيود المفروضة على الوسطاء من المؤسسات المالية، بما في ذلك البنوك الروسية مثل بنك “يفروفينانس”، يصعّب تحويل الأموال فعليًا من فنزويلا إلى روسيا. بالإضافة إلى ذلك، تُقلل القيود المفروضة على تداول السندات الفنزويلية من سيولتها، مما يمنع روسيا من استخدام هذه الأوراق المالية وسيلة للمقاصة أو إعادة البيع.
و قد تعقيد هذه الإجراءات خطط “النفط مقابل الديون”، حيث أصبحت خطط سداد الديون السابقة التي تتضمن توريد النفط محفوفة بالمخاطر. وعلى الرغم من اتفاق روسيا وفنزويلا الدوري على إعادة هيكلة الديون، فإن التنفيذ الفعلي لهذه الجداول في عام 2025 لا يزال بالغ الصعوبة. علاقة الديون مقابل النفط بين البلدين مهددة بشكل خاص.
هل يمكن لروسيا الاستفادة من العقوبات على فنزويلا؟
على الرغم من التحديات، يرى زايتسيف أن روسيا قد تستفيد من العقوبات المفروضة على فنزويلا في عدة مجالات. ففي الأشهر الأخيرة، حلت روسيا محل الولايات المتحدة كمورد رئيسي لـ “النفثا” اللازمة لتخفيف النفط الخام الفنزويلي الثقيل جدًا، وتجاوزت إمداداتها إلى فنزويلا 7 ملايين برميل. الحصار البحري الكامل يمكن أن يقلل من إمدادات النفط العالمية بنحو مليون برميل يوميًا، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية وبالتالي زيادة عائدات الميزانية الروسية.
لكن هذه الفوائد تأتي مصحوبة بمخاطر، حيث تواجه روسيا خطر فرض عقوبات أمريكية ثانوية. وقد أدى تشديد الإجراءات الأمريكية إلى تغيير مسار بعض ناقلات النفط الروسية المتجهة إلى فنزويلا خوفًا من مصادرتها.
في الختام، يمثل الحصار الأمريكي على فنزويلا تطورًا معقدًا له تداعيات كبيرة على العلاقات الروسية الفنزويلية والمصالح الروسية الأوسع في أمريكا اللاتينية. وعلى الرغم من أن روسيا قد تجد بعض الفرص للاستفادة من هذا الوضع، إلا أنها تواجه أيضًا تحديات كبيرة وعقوبات محتملة. مستقبل التعاون بين البلدين سيعتمد على قدرتهما على التكيف مع هذه الظروف المتغيرة واستكشاف آليات جديدة للحفاظ على علاقاتهما الاستراتيجية.















