يشهد الأمن الأوروبي تحولات مقلقة، وتتصاعد المخاوف من احتمال نشوب حرب في أوروبا، خاصةً مع استمرار التوترات بين روسيا والدول الغربية. لم تعد التحذيرات مجرد همسات في أروقة المؤسسات العسكرية، بل باتت تصدر عن قادة سياسيين وعسكريين رفيعي المستوى، مما يعكس قلقًا حقيقيًا يسيطر على العواصم الأوروبية. هذا المقال يستعرض أبرز السيناريوهات المحتملة التي قد تؤدي إلى تصعيد عسكري، مع التركيز على المناطق الأكثر عرضة للخطر، وفقًا لتقارير وتحليلات حديثة.

تصاعد المخاوف من المواجهة العسكرية مع روسيا

في خضم الأزمة الأوكرانية المستمرة، تزايدت المخاوف بشأن توسع نطاق الصراع ليشمل دولًا أوروبية أخرى. الجنرال فابيان ماندون، من فرنسا، دق ناقوس الخطر في أواخر نوفمبر، محذرًا من تدهور البيئة الأمنية وضرورة الاستعداد لسيناريو الحرب. أما رئيس أركان الجيش البريطاني، ريتشارد نايتون، فقد دعا إلى زيادة عدد المواطنين المستعدين للقتال، في إشارة واضحة إلى أن التهديد لم يعد بعيدًا.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن أكثر من نصف الأوروبيين يرون أن احتمال اندلاع حرب في أوروبا مع روسيا أمر وارد، وهو ما يعكس حالة القلق السائدة في القارة. هذه المخاوف ليست وليدة اللحظة، بل تتفاقم مع كل تطور جديد في الأزمة الأوكرانية، ومع التصريحات المتصاعدة من الجانبين.

المناطق الأوروبية الأكثر عرضة للهجوم الروسي

نشرت صحيفة “لو باريزيان” الفرنسية تقريرًا مفصلًا، استند إلى آراء خبراء عسكريين ودوليين، لتحديد المناطق الأوروبية الأكثر عرضة لهجوم محتمل من روسيا. التقرير سلط الضوء على نقاط الضعف الاستراتيجية والسيناريوهات التي قد تلجأ إليها موسكو دون خوض حرب شاملة.

دول البلطيق: نقطة الاشتعال المحتملة

تعتبر دول البلطيق (لاتفيا وليتوانيا وإستونيا) من بين المناطق الأكثر عرضة للخطر. يرى الخبراء أن السيناريو الأرجح هو توغل بري داخل إحدى هذه الدول، مع ترجيح لاتفيا بوصفها “الحلقة الأضعف”. يعزى ذلك إلى عدة عوامل، منها ضعف الاستعداد القتالي للواء المتعدد الجنسيات التابع للناتو المتمركز في لاتفيا، بالإضافة إلى وجود جالية كبيرة من الناطقين بالروسية في المناطق الشرقية من البلاد، مما قد يوفر ذريعة للتدخل الروسي.

في إستونيا، تظل مدينة نارفا الحدودية نقطة حساسة، حيث شهدت المنطقة مؤخرًا استفزازات متكررة، بما في ذلك عبور زورق روسي رافعًا علم مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة. وتشير التحليلات إلى أن التوغل في نارفا يمثل أحد السيناريوهات الأكثر واقعية.

ممر سوالكي: ثغرة استراتيجية

يمثل ممر سوالكي، الذي يربط بين ليتوانيا وبولندا، ويمتد على طول 85 كيلومترًا، ثغرة استراتيجية حقيقية. هذا الممر هو الرابط الوحيد بين بيلاروسيا، حليفة روسيا، وجيب كالينينغراد الروسي.

السيطرة على ممر سوالكي من قبل روسيا ستعزل دول البلطيق عن بقية قوات الناتو، مما يجعل أي تحرك عسكري في هذه المنطقة ذا أولوية قصوى لموسكو. وقد توقع الجنرال الأميركي السابق ديفيد بترايوس احتمال غزو روسي لليتوانيا بحلول عام 2029، مما يزيد من حدة المخاوف. بالإضافة إلى ذلك، حذر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من احتمال تعرض بولندا لهجوم روسي، مما يعزز فكرة أن هذه المنطقة قد تصبح خط المواجهة الأول في حال التصعيد.

سيناريوهات أخرى محتملة: سفالبارد وفنلندا ومولدافيا

بالإضافة إلى دول البلطيق وممر سوالكي، هناك سيناريوهات أخرى محتملة، وإن كانت أقل ترجيحًا. يشير تقرير “لو باريزيان” إلى احتمال استهداف أرخبيل سفالبارد النرويجي، في محاولة من روسيا لإحراج الناتو وزعزعة تماسكه دون خوض مواجهة مباشرة.

أما فنلندا، فقد تشكل التضاريس المعقدة وقوة جيشها عقبة كبيرة أمام أي هجوم روسي مباشر. في مولدافيا، فمن المرجح أن يقتصر أي تحرك روسي على منطقة ترانسنيستريا الانفصالية، التي تعاني من ضعف الإمكانيات وصعوبات الإمداد. الأمن القومي لهذه الدول يمثل محور اهتمام متزايد.

موقف روسيا: “لن نهاجم أوروبا إذا عوملت باحترام”

في المقابل، يصر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أن روسيا “لن تهاجم أوروبا إذا ما عوملت باحترام”. واصفًا الحديث عن حرب محتملة مع أوروبا بأنه “غير منطقي”، وأضاف أن “الكرة بالكامل في ملعب خصومنا الغربيين”.

ومع ذلك، فإن هذه التصريحات لا تخفف من حدة القلق السائد في أوروبا، خاصةً مع استمرار التصعيد العسكري والخطاب العدائي من الجانبين. التحالفات العسكرية مثل الناتو تلعب دورًا حاسمًا في ردع أي هجوم محتمل.

الخلاصة

إن الوضع الأمني في أوروبا يتسم بالهشاشة والتعقيد. على الرغم من أن احتمال اندلاع حرب في أوروبا لا يزال سيناريو غير مؤكد، إلا أن التحذيرات المتصاعدة والتقارير التحليلية تشير إلى أن المخاطر حقيقية ومتزايدة. من الضروري أن تستمر الدول الأوروبية في تعزيز قدراتها الدفاعية، وتوطيد تحالفاتها، والعمل على إيجاد حلول دبلوماسية للأزمة الأوكرانية، من أجل تجنب سيناريو كارثي قد يهدد استقرار القارة بأكملها. يجب على القادة الأوروبيين الاستماع إلى التحذيرات العسكرية والاستعداد لجميع الاحتمالات، مع التأكيد على أهمية الحوار والتعاون لتجنب التصعيد.

شاركها.
اترك تعليقاً