خلال تعاملات الجمعة الماضية، شهدت أسواق السلع العالمية حالة من الترقب والحذر، متأثرة بمجموعة من العوامل المتداخلة. من تطورات الإمدادات العالمية، مروراً بالبيانات الاقتصادية الهامة الصادرة من الولايات المتحدة، وصولاً إلى التوقعات المتعلقة بمستقبل السياسة النقدية، لعب كل عنصر من هذه العناصر دوراً في تشكيل مسار الأسعار. ونتيجة لذلك، سجلت أسعار النفط ارتفاعاً متواضعاً، بينما تألقت المعادن النفيسة، خصوصاً الفضة والذهب، بتحقيق مكاسب ملحوظة، مما يعكس تحولات في شهية المستثمرين وتوقعاتهم الاقتصادية. هذا التقرير يقدم تحليلاً مفصلاً لأداء هذه الأسواق، والعوامل التي ساهمت في هذه النتائج.

أداء أسعار النفط: توازن بين المخاوف والتوقعات

شهدت أسعار النفط في نهاية الأسبوع ارتفاعاً طفيفاً، مدفوعة بشكل أساسي بالمخاوف المتعلقة بإمكانية انقطاع بعض الإمدادات. وتشير التقارير إلى تشديد الولايات المتحدة لإجراءاتها الرقابية على ناقلات النفط الفنزويلية الخاضعة للعقوبات، مما أثار قلقاً بشأن تأثير ذلك على حجم النفط المتوفر في السوق. بالإضافة إلى ذلك، تظل التطورات الجيوسياسية في أوروبا الشرقية محط أنظار المستثمرين، حيث أن أي تصعيد هناك قد يؤدي إلى اضطرابات في الإمدادات.

وبحسب رويترز، ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بنسبة 1% لتغلق عند 60.47 دولاراً للبرميل، في حين صعد خام غرب تكساس الوسيط الأميركي بنسبة 0.9% ليصل إلى 56.66 دولاراً للبرميل. ومع ذلك، وعلى أساس أسبوعي، تراجعت أسعار الخامين القياسيين بنحو 1%، بعد خسائر أكبر بلغت حوالي 4% في الأسبوع الذي سبقه.

يؤكد محللو شركة “ريتر بوش آند أسوشيتس” لاستشارات الطاقة أن أسعار النفط تسعى للحفاظ على مكاسبها الحالية بعد استقرارها فوق أدنى مستوياتها هذا الأسبوع، معربين عن انتظارهم لمزيد من الوضوح بشأن العوامل الجيوسياسية وتطورات العرض والطلب. وأظهرت بيانات تتبع السفن دخول ناقلة خاضعة للعقوبات تحمل نحو 300 ألف برميل من النافتا الروسية إلى المياه الفنزويلية، مع توجيه ناقلات أخرى لمسارات بديلة، في حين سمحت فنزويلا لناقلتين غير خاضعتين للعقوبات بالإبحار إلى الصين.

صعود الفضة والذهب: ملاذ آمن وسط التغيرات الاقتصادية

في المقابل، شهدت أسواق المعادن النفيسة أداءً أكثر قوة، حيث سجلت الفضة ارتفاعاً تاريخياً، مدفوعة بالطلب الاستثماري المتزايد وشح المعروض. كما واصل الذهب تحقيق مكاسب أسبوعية، مما يعكس الدور التقليدي للمعادن كملاذ آمن في أوقات عدم اليقين الاقتصادي.

وارتفعت الفضة في المعاملات الفورية بنسبة 2.6% لتصل إلى 67.14 دولاراً للأونصة، بعد أن سجلت خلال الجلسة مستوى قياسياً جديداً بلغ 67.45 دولاراً، لتختتم الأسبوع بمكاسب كبيرة بلغت 8.4%. أما الذهب، فقد صعد في المعاملات الفورية بنسبة 0.1% إلى 4338.6 دولاراً للأوقية، محققاً مكاسب أسبوعية بنسبة 1%، في حين ارتفعت العقود الأميركية الآجلة للذهب بنسبة 0.5% لتغلق عند 4387.3 دولاراً للأوقية.

يشير مايكل ماتوسيك، كبير المتعاملين في “يو إس غلوبال إنفستورز”، إلى أن الذهب والفضة غالباً ما يتحركان بشكل متزامن، لكن الفضة كانت هي المحرك الرئيسي للمكاسب الأخيرة. ومع اتساع الفجوة بينهما، قد يلجأ المستثمرون إلى الذهب بهدف تقليص هذا الفارق على المدى القصير. وتظهر بيانات رويترز أن أسعار الفضة ارتفعت بنحو 132% منذ بداية العام، مقارنة بمكاسب سنوية للذهب بلغت حوالي 65%، مما يؤكد قوة الطلب الاستثماري على الفضة.

تأثير البيانات الاقتصادية الأمريكية على الأسواق

لعبت البيانات الاقتصادية الأمريكية الأخيرة دوراً هاماً في دعم أسعار المعادن النفيسة. فقد أظهرت الأرقام الرسمية ارتفاع أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة بنسبة 2.7% على أساس سنوي في نوفمبر، وهو مستوى أقل من التوقعات التي كانت تشير إلى 3.1%.

بالإضافة إلى ذلك، أعلنت وزارة العمل الأمريكية ارتفاع معدل البطالة إلى 4.6% خلال نفس الشهر، وهو أعلى مستوى منذ سبتمبر 2021. هذه البيانات عززت التوقعات بأن الاحتياطي الفدرالي قد يتجه نحو خفض أسعار الفائدة في المستقبل القريب، وهو ما يجعل المعادن النفيسة أكثر جاذبية للمستثمرين، حيث تفقد السندات والدولار جزءاً من جاذبيتها في بيئة أسعار فائدة منخفضة. هذا التحول في التوقعات ساهم بشكل كبير في زيادة الطلب على الذهب والفضة كمخزن للقيمة.

أداء البلاتين والبلاديوم: تحسن الطلب الصناعي

لم تقتصر المكاسب على الذهب والفضة فقط، بل امتدت لتشمل البلاتين والبلاديوم أيضاً. ارتفعت عقود البلاتين بنحو 3% لتصل إلى 2018.6 دولاراً، بينما صعدت عقود البلاديوم بنحو 7% إلى 1786.9 دولاراً، بعد أن سجلت مستويات أعلى خلال الجلسة. ويعزى هذا الارتفاع إلى تحسن الطلب الصناعي على هذين المعدنين، بالإضافة إلى محدودية المعروض منهما. يعتبر البلاتين والبلاديوم مكونين أساسيين في محولات تنقية العادم للسيارات، وبالتالي فإن أي زيادة في إنتاج السيارات تترجم إلى زيادة في الطلب على هذين المعدنين.

باختصار، شهدت أسواق السلع العالمية أداءً متبايناً خلال الأسبوع، مع تسجيل النفط ارتفاعاً محدوداً والمعادن النفيسة مكاسب قوية. تظل هذه الأسواق عرضة للتأثر بالتطورات الجيوسياسية والبيانات الاقتصادية والقرارات المتعلقة بالسياسة النقدية. من الضروري على المستثمرين متابعة هذه العوامل عن كثب لاتخاذ قرارات استثمارية مستنيرة. هل تتوقع استمرار صعود المعادن النفيسة في الفترة القادمة؟ شاركنا رأيك في التعليقات!

شاركها.
اترك تعليقاً