على الرغم من أدائها الهادئ المتزن، نجحت الفنانة المصرية الراحلة سمية الألفي في تجسيد العديد من الشخصيات المركبة والمعقدة خلال مسيرة فنية حافلة امتدت لأكثر من 35 عامًا وشملت 144 عملًا. رحلت الفنانة عن عالمنا مساء السبت 20 ديسمبر/كانون الأول، لكن إرثها الفني سيظل خالدًا في ذاكرة المشاهدين. هذا المقال يسلط الضوء على أبرز محطات مسيرتها الفنية، وكيف استطاعت سمية الألفي أن تترك بصمة لا تُمحى في الدراما المصرية والعربية.

مسيرة فنية بدأت في السبعينيات

بدأت سمية الألفي مسيرتها الفنية في سبعينيات القرن الماضي، متنقلة بين المسرح والسينما والدراما. لم تكتفِ بالأدوار الثانوية، بل سعت دائمًا إلى تقديم أدوار مختلفة ومميزة. ومع حصولها على مساحات تمثيلية أكبر في الثمانينات، بدأت الشهرة تطرق أبوابها.

شاركت في فيلم “وكالة البلح” مع نادية الجندي ومحمود ياسين، وهو ما أهلها لاحقًا للعب أدوار البطولة في العديد من الأعمال الفنية الهامة. كانت لديها القدرة على التنوع، والانتقال بسلاسة بين مختلف الشخصيات، مما جعلها محبوبة لدى الجمهور والنقاد على حد سواء.

“رحلة المليون” وشراكة فنية مع محمد صبحي

شكلت ثنائية سمية الألفي مع الفنان محمد صبحي نقطة تحول في مسيرتها الفنية. حقق مسلسل “رحلة المليون” (1984) نجاحًا جماهيريًا كبيرًا، ولعبت فيه دور “نسمة”، ابنة رجل الأعمال لطفي الدمنهوري.

علاقة معقدة بين نسمة وسنبل

على الرغم من العداوة الظاهرة بين والد نسمة وشخصية “سنبل” التي أداها صبحي، إلا أن المسلسل استطاع أن يبرز تطور علاقة إنسانية معقدة بينهما. نجحت سمية الألفي في تجسيد شخصية الفتاة التي تتأرجح بين الولاء لعائلتها والمشاعر التي تكنها لسنبل.

استمرت هذه الشراكة الناجحة في فيلم “علي بيه مظهر و40 حرامي”، حيث قدمت سمية الألفي شخصية “حسنية”، الفتاة الشعبية التي توهم البطل بثرائها. أظهرت في هذا الفيلم قدرتها على المزج بين الكوميديا والدراما، وتقديم أداء مقنع ومؤثر.

“الراية البيضاء” وتحدي الأدوار النفسية

في مسلسل “الراية البيضاء” (1988)، واجهت سمية الألفي تحديًا جديدًا من خلال دور “أمل صبور”، الصحفية الجريئة التي تكشف الفساد. هذا الدور كان بمثابة اختبار حقيقي لقدرتها على تجسيد الشخصيات المركبة نفسيًا، وهو ما يتماشى مع رؤية الكاتب أسامة أنور عكاشة.

أمل صبور: تجسيد للمرأة المثقفة

لم يكن دور “أمل صبور” مجرد دور صحفية، بل كان تجسيدًا للمرأة المثقفة التي تواجه ضغوطًا معقدة في المجتمع. نجحت سمية الألفي في إظهار هشاشة هذه الشخصية وقوتها في آن واحد، وكيف تتأثر حياتها العاطفية بالصراعات التي تمر بها.

“ليالي الحلمية” والأرستقراطية الإنسانية

لعبت سمية الألفي دور الأميرة نورهان في مسلسل “ليالي الحلمية” (الأجزاء الثاني والثالث والرابع)، وهو ما يعتبر محطة مهمة في مسيرتها الفنية. قدمت شخصية تنتمي إلى العائلة المالكة وتواجه تحولات المجتمع المصري بعد ثورة 1952.

صراع بين الماضي والحاضر

من خلال هذا الدور، استطاعت سمية الألفي أن تجسد امرأة أرستقراطية تعيش حالة من الاضطراب والصراع الداخلي بين إرثها الطبقي القديم وواقع اجتماعي جديد. قدمت أداءً هادئًا وبسيطًا، لكنه كان مؤثرًا للغاية، ورسخ الشخصية في ذاكرة المشاهدين.

“بوابة الحلواني” وصراع الطبقات

يعتبر دور الأميرة “أشرقت” في رباعية “بوابة الحلواني” (1992/2001) من أبرز الأدوار التي قدمتها سمية الألفي. جسدت شخصية تنتمي إلى العائلة العلوية، وتجد نفسها في قلب صراع طبقي حاد مع حارسها “حمزة الحلواني” (خالد النبوي).

تفكيك البنية النفسية لشخصية معقدة

أظهرت سمية الألفي قدرة لافتة على تفكيك البنية النفسية لشخصية تجمع بين اعتزاز الأرستقراطية وهشاشتها. لم يقتصر أداؤها على الجانب العاطفي، بل منح الشخصية حضورًا إنسانيًا جعلها من أبرز ملامح العمل.

“العطار والسبع بنات” والتمرد على التنميط

مع بداية الألفية الجديدة، وصلت سمية الألفي إلى ذروة نضجها الفني، وأبدت تمردًا واضحًا على الأدوار النمطية التي كانت تُعرض عليها. تجسد هذا التحول في دور “الحاجة سيدة” في مسلسل “العطار والسبع بنات”، حيث قدمت المرأة المتسلطة التي تمارس الظلم على زوجة ابنها.

طبقات نفسية معقدة

نجحت سمية الألفي في نقل انفعالات الشخصية بطبقات نفسية معقدة، مزيج من القسوة والغيرة والسلطة. أثبتت من خلال هذا الدور قدرتها على كسر التنميط، وتقديم أدوار أكثر جرأة درامية.

رحيل فنانة عظيمة وإرث لا ينسى

على الرغم من رحيلها، فإن سمية الألفي ستظل حاضرة في ذاكرة السينما والدراما المصرية والعربية. آخر ظهور لها كان عام 2010 كضيفة شرف في فيلم “تلك الأيام” من بطولة نجلها الفنان أحمد الفيشاوي. تركت لنا الفنانة الراحلة مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية الهامة التي ستظل تلهم الأجيال القادمة.

شاركها.
اترك تعليقاً