في ظل الأوضاع المعقدة التي يمر بها السودان، وتحديداً مع استمرار الصراع الدائر، شهدت عدة مدن محاولات متفرقة لإحياء ذكرى ثورة ديسمبر، تلك التي أطاحت بنظام الرئيس السابق عمر البشير وأشعلت جذوة الأمل في مستقبل ديمقراطي. هذه المحاولات، وإن كانت محدودة في نطاقها، لم تخلُ من مواجهات مع الأجهزة الأمنية، مما أثار جدلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي حول حرية التعبير ومستقبل التحول الديمقراطي في البلاد.
محاولات إحياء الذكرى والاعتقالات الأمنية
تجسدت إحياء ذكرى ثورة ديسمبر في تجمعات صغيرة عقب صلاة الجمعة، تخللها إلقاء كلمات ورفع شعارات الثورة. ووفقاً لمجموعة “محامو الطوارئ”، فقد نفذت الأجهزة الأمنية اعتقالات في صفوف الناشطين المشاركين في هذه الفعاليات. من بين المعتقلين الناشط منيب عبد العزيز في الولاية الشمالية، والذي تم اعتقاله بعد إلقاء كلمة أمام أحد المساجد.
دعا عبد العزيز في كلمته إلى حل جميع المليشيات، مؤكداً على ضرورة بناء جيش وطني مهني بعيداً عن الانتماءات السياسية. كما جدد تأكيده على مبادئ الثورة الأساسية: “الحرية، السلام، والعدالة”، وهي الشعارات التي لا تزال تتردد في أوساط السودانيين. هذه الاعتقالات، التي جاءت على خلفية هذه الأنشطة السلمية، أثارت موجة من الغضب والاستياء.
تفاعل واسع على منصات التواصل الاجتماعي
لم تقتصر ردود الأفعال على الاعتقالات على نطاق الفعاليات الميدانية، بل امتدت لتشمل منصات التواصل الاجتماعي، حيث تصاعد التفاعل بشكل ملحوظ. برنامج “هاشتاغ” سلط الضوء على هذه التفاعلات، ورصد آراءً متباينة تعكس حالة الاستقطاب التي يعيشها المجتمع السوداني.
المدون لطيف علي عبر عن دعمه الكامل للناشطين المعتقلين، قائلاً: “الحرية لمنيب ورفاقه، الدولة يجب أن تفخر بشجاعة هؤلاء الفتية الذين آمنوا بحقوقهم في الحرية والسلام والعدالة”. بينما رأى أبو بكر أن التوقيت الحالي غير مناسب لمثل هذه المظاهرات، مستغرباً من إمكانية إحياء ذكرى ثورة ديسمبر في ظل استمرار الحرب والصراعات. وتساءل: “هل في دولة محترمة فيها حرب بيطلع فيها زول يقول إحياء ثورة؟ إنتو أكتر من النزوح والحاصل ليكم دايرين شنو تاني؟”.
صراع حول معنى الثورة ومستقبلها
أما المدون عاطف، فقد ربط الاعتقالات بجوهر الصراع الدائر في السودان، معتبراً أن “السبب الأساسي للحرب هو القضاء على الثورة والثوار، والقوات التي تطارد كل ما له علاقة بالثورة لم يكن هدفها تحرير البلاد”. هذا الرأي يعكس قناعة لدى البعض بأن الصراع الحالي هو امتداد لمواجهة الثورة ومحاولات إجهاضها.
في سياق متصل، نشر وزير الثقافة والإعلام والسياحة خالد الإعيسر تدوينة على منصة إكس، حذر فيها من “التهالُك والتلاعب بمصير الدولة والشعب السوداني”. وأكد على أهمية الديمقراطية كقيمة إنسانية ومطلب وطني، لكنه حذر من الممارسات التي قد تؤدي إلى زيادة الفوضى أو تهديد وحدة المجتمع.
جدل حول تدوينة الوزير وتأثيرها
أثارت تدوينة الوزير الإعيسر جدلاً واسعاً، واعتبرها البعض تعقيباً على مظاهرات إحياء ذكرى ثورة ديسمبر، وبالتالي فهي بمثابة تبرير للاعتقالات. وئام شوقي كتبت: “قدر ما حاولت أفهم الكلام دا ما لقيت ليه تفسير غير تبرير الاعتقالات”.
في المقابل، داليا الطاهر دافعت عن حق الشعب في التعبير عن مطالبه، قائلة: “الثورة وعي ونضال وحق أصيل للشعوب، من أنت لتنتزعه، ومتى كان الفعل الثوري ينتظر إذنا؟!”. الكاتب أحمد خليفة دعا إلى التهدئة، مؤكداً على أن “الأجهزة الأمنية مسؤولة عن حفظ الأمن لا عن تصفية حسابات أيديولوجية، والوطن اليوم يحتاج إلى عقلانية لا إلى إعادة إنتاج الاستقطاب”.
مستقبل الثورة في ظل الأزمة السودانية
إن إحياء ذكرى ثورة ديسمبر في ظل الظروف الراهنة يمثل تحدياً كبيراً. فبينما يرى البعض في هذه المحاولات تأكيداً على استمرار نبض الثورة، يعتبرها آخرون غير مسؤولة وتزيد من تعقيد الأوضاع. الوضع الأمني الهش، واستمرار الصراع بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، يلقي بظلاله على أي محاولة للتحول الديمقراطي.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها السودان، بما في ذلك النزوح وتدهور الخدمات الأساسية، تتطلب جهوداً مضاعفة لتحقيق الاستقرار والتنمية. التحول الديمقراطي في السودان يتطلب حواراً وطنياً شاملاً، ومشاركة جميع الأطراف الفاعلة في المجتمع، والتزاماً حقيقياً بمبادئ الثورة. كما أن بناء مؤسسات دولة قوية ومستقلة، وضمان سيادة القانون، وحماية حقوق الإنسان، هي خطوات أساسية نحو تحقيق مستقبل أفضل للسودان.
في الختام، تبقى ذكرى ثورة ديسمبر محطة فارقة في تاريخ السودان، ومصدر إلهام للعديد من السودانيين الذين يطمحون إلى الحرية والسلام والعدالة. ومع استمرار الأزمة، فإن مستقبل الثورة ومسار التحول الديمقراطي في السودان لا يزال رهن التطورات السياسية والأمنية، ويتطلب جهوداً متواصلة من جميع الأطراف المعنية. ندعوكم لمشاركة هذا المقال مع أصدقائكم وعائلاتكم، والتعبير عن آرائكم حول مستقبل السودان في قسم التعليقات أدناه.















