تتواصل عمليات عودة الأفغان من إيران عبر المنافذ الحدودية الشرقية، مسجلةً أرقامًا متزايدة تثير تساؤلات حول الخلفيات والدوافع، وكذلك التداعيات الإنسانية. تأتي هذه التحركات في إطار سياسة إيرانية رسمية، تُعلن طهران أنها تهدف إلى تنظيم الوجود الأجنبي، وهو ما يُعرف بـ عودة الأفغان من إيران، مع التركيز على ضبط سوق العمل وتخفيف الضغط على الخدمات العامة. يلقي هذا المقال الضوء على هذه الظاهرة المتجددة، مستندًا إلى مصادر رسمية وتقارير ميدانية من محافظة سيستان وبلوشستان، مع تحليل التحديات التي تواجه هذه العملية.

خلفية سياسية وقانونية لعمليات العودة

تؤكد السلطات الإيرانية، ممثلة في مدير عام دائرة شؤون الأتباع والأجانب في سيستان وبلوشستان، هوشنك بامري، أن الأمر لا يتعلق بـ “الإخراج القسري” بل بـ “عودة” طوعية أو ضرورية للأفغان الذين دخلوا البلاد أو أقاموا فيها بشكل غير قانوني. وتشير إلى أن الحكومة الإيرانية تفضل استخدام مصطلح “العودة” بدلًا من “الترحيل” أو “الطرد”، مؤكدةً أن الهدف هو توفير إمكانية العودة القانونية لهؤلاء في المستقبل، بعد استيفاء الشروط اللازمة كالحصول على جواز سفر وتأشيرة عمل أو إقامة.

تستهدف السياسة الحالية بشكل رئيسي فئتين: الأجانب الذين لا يملكون أي وثائق قانونية، وحاملو أوراق الإحصاء المؤقتة التي انتهت صلاحيتها مع نهاية العام الإيراني 1403 (مارس/آذار 2025). وتمنح السلطات مهلة محددة للمغادرة الطوعية، مع تسجيل المغادرين بطرق مختلفة، ما يؤثر على فرص عودتهم المستقبلية. هذه الإجراءات، بحسب المسؤولين، مطبقة في العديد من دول العالم بهدف ردع الهجرة غير الشرعية.

أرقام وإحصائيات حول عودة الأفغان

تُظهر الأرقام الرسمية حجم التدفقات الحالية. فقد صرح مدير دائرة شؤون الأتباع والأجانب أن عدد الأفغان الذين غادروا إيران منذ بداية العام الإيراني الحالي بلغ حوالي 513 ألف شخص عبر مختلف المنافذ والقنوات. تتوزع هذه الأرقام بين:

  • الأفراد الذين راجعوا مراكز العودة طوعًا.
  • المقبوض عليهم بسبب الإقامة غير النظامية.
  • أولئك الذين توجهوا مباشرة إلى المنافذ الحدودية، مثل معبر ميلك، دون المرور بمخيمات الإيواء.

وتشير الإحصائيات إلى أن نصف هذا العدد تقريبًا مر عبر مراكز العودة المنظمة في محافظة سيستان وبلوشستان، بينما سلك البقية طرقًا أخرى. توضح هذه الأرقام حجم التحدي اللوجستي الذي تواجهه السلطات الإيرانية في إدارة عملية الهجرة من إيران إلى أفغانستان.

أسباب تسريع عملية العودة: منظور رسمي

تعدد السلطات الإيرانية الأسباب التي دفعتها لتسريع تنفيذ خطة العودة، وأبرزها:

  • الضغط على البنية التحتية: تواجه المحافظات الحدودية، كسيستان وبلوشستان، ضغوطًا كبيرة على الخدمات الأساسية كالرعاية الصحية والتعليم والمياه، نتيجة للزيادة السكانية.
  • تنظيم سوق العمل: ترى الحكومة أن وجود أعداد كبيرة من العمال غير النظاميين يؤثر سلبًا على سوق العمل المحلي.
  • الاعتبارات القانونية والأمنية: تعتبر أي إقامة أجنبية غير قانونية مخالفة، بغض النظر عن الجنسية.
  • تراكم ملفات الإقامة المؤقتة: إغلاق ملف الإقامة المؤقتة، التي كانت ممنوحة سابقًا لأعداد كبيرة من الأفغان.

في حين تنفي السلطات أي علاقة مباشرة بين التطورات الإقليمية وعمليات العودة، إلا أنها تعترف بأن الحرب الأخيرة ربما سرعت من وتيرة المغادرة، حيث فضل بعض الأفغان الإسراع في المغادرة خلال تلك الفترة. يظل محور النقاش حول أسباب عودة اللاجئين الأفغان مشحونًا بالاعتبارات السياسية والاقتصادية.

الجانب الإنساني وتحديات العودة

منظومة العمل الإنساني حاضرة في مخيمات العبور في سيستان وبلوشستان، حيث تعمل منظمات مثل مؤسسة مدنية تعمل في المجال الإنساني بقيادة منى رحماني، على ضمان الالتزام بالمعايير الإنسانية خلال عملية العودة. وتؤكد رحماني أن دورهم يتمحور حول ضمان كرامة العائدين، خاصة النساء والأطفال، الذين يشكلون غالبية الموجودين في المخيمات.

توضح رحماني أن العديد من العائلات قد هاجرت إلى إيران خلال موجات الهجرة السابقة، وخاصة بعد عام 2021. وتواجه هذه العائلات تحديات خاصة، مثل:

  • صعوبة إلحاق الأطفال بالمدارس بسبب نقص الوثائق القانونية.
  • إقامة الأطفال في بيئات غير مستقرة، مما يُفاقم صعوبة العودة نفسيًا.

تعمل هذه المنظمات على تقديم الرعاية الصحية الأولية والدعم النفسي، ومتابعة الحوامل، وحالات الطوارئ الصحية، بالتنسيق مع الهلال الأحمر الإيراني.

التحديات المستقبلية والاستدامة

من الجانب الرسمي، يقر بامري بأن إدارة مراكز العودة والمخيمات تفرض أعباء مالية وبشرية كبيرة على الدولة، من حيث البنية التحتية والموارد البشرية والنقل. بينما تشدد المنظمات الإنسانية على أن مجرد تطبيق القانون لا يكفي، وأن الأمر يتطلب تقليل الآثار السلبية على الفئات الهشة.

تختتم رحماني بأن قضية الهجرة الأفغانية لا يمكن حلها من خلال الإجراءات الحدودية وحدها، وأن استقرار أفغانستان هو العامل الحاسم في تقليص الهجرة مستقبلًا. إن معالجة هذه القضية تتطلب مقاربة شاملة، تضع في الاعتبار الأبعاد الإنسانية والقانونية والسياسية، وتسعى إلى إيجاد حلول مستدامة طويلة الأجل. سيستان وبلوشستان، كمنطقة حدودية، تتحمل عبئًا كبيرًا في هذه العملية، وتتطلب دعمًا إضافيًا لضمان استقرار المنطقة ورفاهية السكان.

شاركها.
اترك تعليقاً