اندلعت اشتباكات عنيفة في مدينة حلب شمال غرب سوريا، اليوم الاثنين، بين قوات الأمن الداخلي والجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مخلفةً قتلى وجرحى وعائلات نازحة. هذه المواجهات، التي تركزت في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية، تثير تساؤلات حول مستقبل الاتفاقات الأمنية والإدارية القائمة في المنطقة، وتلقي بظلالها على الاستقرار الهش الذي تشهده سوريا. تحليل الوضع الحالي والاشتباكات في حلب يتطلب فهمًا دقيقًا للأسباب والتداعيات المحتملة.
أين وقعت الاشتباكات وما هي المناطق المتأثرة؟
تركزت الاشتباكات بشكل رئيسي في محيط حيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب. هذه الأحياء، التي تشكل معقلاً رئيسيًا لقوات قسد، شهدت تبادلًا لإطلاق النار بين عناصر قسد وقوى الأمن الداخلي التابعة لوزارة الداخلية السورية المنتشرة على الحواجز المحيطة. لم يقتصر الأمر على ذلك، بل امتد القصف ليشمل مناطق أخرى، حيث أفادت التقارير بسقوط قذائف هاون على أحياء السريان والجميلية داخل حلب، مما أدى إلى إلحاق أضرار بالممتلكات وإصابة المدنيين.
هذه الأحياء تحديدًا تخضع لاتفاق تم التوصل إليه في أبريل/نيسان الماضي بين الحكومة السورية وقسد. يهدف هذا الاتفاق إلى تعزيز السلم الأهلي والتعايش المشترك، بالإضافة إلى تنظيم الوضع الإداري والأمني في المنطقة. وينص الاتفاق على اعتبار حيي الشيخ مقصود والأشرفية جزءًا إداريًا من مدينة حلب، وهو ما يمثل خطوة نحو دمج هذه الأحياء بشكل كامل في النسيج الإداري السوري.
ما هي أسباب تصاعد التوتر واندلاع المواجهات؟
اتهمت وزارة الداخلية السورية قوات قسد بالغدر بقوات الأمن الداخلي المتمركزة في الحواجز المشتركة، وذلك بعد انسحاب مفاجئ لقوات قسد وإطلاقها النار على الحواجز. هذا الاتهام يشير إلى خرق واضح للاتفاقات الأمنية القائمة، ويثير تساؤلات حول نوايا قسد في المنطقة.
في المقابل، رفضت إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع السورية ما تروج له قسد بشأن هجوم من قبل الجيش السوري على مواقعها في حيي الشيخ مقصود والأشرفية. وأكدت القناة الإخبارية السورية أن قسد هي التي بادرت بالهجوم على نقاط انتشار قوى الأمن الداخلي. المركز الإعلامي لقسد أكد بدوره أن فصائل مرتبطة بوزارة الدفاع السورية هي التي هاجمت حاجزًا في دوار الشيحان، ثم شنت هجومًا عنيفًا على الأحياء المذكورة.
هذا التضارب في الروايات يعكس حالة من عدم الثقة والتأزم بين الأطراف المتنازعة، ويجعل من الصعب تحديد المسؤولية المباشرة عن اندلاع الأزمة في حلب.
طبيعة الاشتباكات والخسائر المعلنة
بدأت الاشتباكات باستخدام الأسلحة الخفيفة والقناصات، وسرعان ما تصاعدت إلى استخدام الأسلحة الرشاشة المتوسطة والثقيلة، بما في ذلك قذائف الهاون وراجمات الصواريخ. هذا التصعيد في استخدام الأسلحة أدى إلى حالة من الذعر والهلع بين السكان المدنيين، الذين اضطروا إلى النزوح من بيوتهم في المناطق القريبة بحثًا عن الأمان.
أما بالنسبة للخسائر، فقد أفادت قناة الإخبارية السورية بمقتل مدنيين اثنين وإصابة آخرين، نتيجة نيران مصدرها مواقع قسد. كما أفادت وزارة الداخلية بإصابة عنصرين، أحدهما من وزارة الداخلية والآخر من الجيش السوري، بالإضافة إلى عدد من عناصر الدفاع المدني. في المقابل، أعلن المركز الإعلامي لقسد عن إصابة عنصرين من قوات الأمن التابعة لها، و5 مدنيين بينهم طفلة. هذه الأرقام تشير إلى أن الوضع الأمني في حلب متدهور للغاية، وأن المدنيين هم الضحايا الرئيسيون لهذه الاشتباكات.
التداعيات السياسية والأمنية المحتملة
يرى المحللون السياسيون أن اندلاع الاشتباكات في حيي الشيخ مقصود والأشرفية يأتي في توقيت حرج بالنسبة لقسد، مع اقتراب نهاية العام الميلادي دون تنفيذ اتفاق 10 مارس/آذار 2025. هذا الاتفاق، الذي يقضي باندماج قوات سوريا الديمقراطية ضمن مؤسسات الدولة، يمثل نقطة تحول رئيسية في مستقبل قسد، وقد يؤدي عدم تنفيذه إلى مزيد من التوتر والصراعات.
بالإضافة إلى ذلك، يشير المحللون إلى وجود ضغوط متزايدة من قبل كل من دمشق وأنقرة على قسد لتنفيذ الاتفاق. وقد تجلى هذا الضغط خلال المؤتمر الصحفي الذي جمع بين وزيري الخارجية السوري والتركي، حيث تم التأكيد على أهمية تنفيذ الاتفاق من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة.
هناك عوامل أخرى قد تضغط على قيادة قسد للدخول في تنفيذ الاتفاق، مثل حالة الضغط الشعبي في منطقة شرق الفرات وسوريا عمومًا لإنهاء هذا الملف المعقد. وبالتالي، فإن مستقبل قسد في سوريا يبدو غير مؤكد، وقد يتطلب الأمر تدخلًا إقليميًا ودوليًا من أجل التوصل إلى حل سياسي يضمن الاستقرار والسلام في المنطقة. الوضع يتطلب مراقبة دقيقة وتحليلًا معمقًا لتجنب المزيد من التصعيد والعنف.
الخلاصة
الاشتباكات الأخيرة في حلب تمثل تطورًا خطيرًا في المشهد السوري، وتثير تساؤلات حول مستقبل الاتفاقات الأمنية والإدارية القائمة. فهم أسباب هذه الاشتباكات وتداعياتها المحتملة أمر ضروري من أجل التوصل إلى حلول سياسية تضمن الاستقرار والسلام في المنطقة. من المهم أن تواصل الأطراف المعنية الحوار والتعاون من أجل تجنب المزيد من العنف والمعاناة الإنسانية. نأمل أن يتمكن المجتمع الدولي من لعب دور فعال في حل هذه الأزمة، وضمان مستقبل أفضل للشعب السوري.















