عندما تسقط المدن، لا تنهار الجدران فحسب، بل تنهار معها الإنسانية. هذا الوصف المأساوي ينطبق بشكل خاص على الوضع في الفاشر، مدينة دارفور السودانية التي تشهد حربًا وحشية تركت وراءها دمارًا هائلاً ومعاناة لا توصف. التقرير التالي يسلط الضوء على حجم المأساة الإنسانية التي تتكشف، مستندًا إلى شهادات حية من اللاجئين الذين فروا من المدينة إلى مخيمات شرق تشاد.

مأساة الفاشر: مدينة تتحول إلى سجن

تحولت الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، إلى رمز للمعاناة في السودان. بعد حصار استمر 18 شهرًا، شهدت المدينة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي تصعيدًا مروعًا في العنف، وصفته صحيفة نيويورك تايمز بأنه “عمليات إبادة ممنهجة” نفذتها قوات الدعم السريع. التقارير الواردة من مخيمات اللاجئين في تشاد، والتي زارها مراسل نيويورك تايمز إيفور بريكيت، ترسم صورة قاتمة لمدينة محاصرة، حيث القتل العشوائي والاغتصاب والإعدامات الميدانية هي القاعدة.

اللاجئون يتحدثون: قصص من الرعب والدمار

شهادات الناجين من الفاشر هي الأكثر إيلامًا. تحكي مناهل إسحق (35 عامًا) عن سؤال واحد يواجهه كل من في المدينة: “هل أنت مع الحكومة أم مع قوات الدعم السريع؟”. قصتها مأساوية، حيث أرسلت ابنها البالغ من العمر 14 عامًا للبحث عن الطعام قبل سقوط المدينة، لتعود إليه جثةً محطمة الأحشاء. وفي الوقت نفسه، كانت تحمل في أحشائها جنينًا، رمزًا للحياة وسط الموت. روت مناهل رحلة هروبها الشاقة التي استغرقت شهرًا كاملًا إلى مخيم أوري كاسوني، حيث فقدت شقيقها وأصيبت برصاص قناص.

أما مصطفى (16 عامًا) فيروي كيف رأى أربعة من جيرانهم يُعدمون بوحشية على يد قوات الدعم السريع. هو وأصدقاؤه خططوا للهروب في الظلام، لكنهم أُلقي القبض عليهم بالقرب من قرية قرني. لحسن الحظ، تمكنوا من النجاة بفضل مساعدة القرويين المحليين، لكنهم شهدوا فظائع لا يمكن نسيانها.

أزمة إنسانية متفاقمة في مخيمات اللاجئين

أدت الأحداث المروعة في الفاشر إلى نزوح جماعي، حيث فر أكثر من 100 ألف شخص من المدينة منذ انهيارها، ولا يزال أكثر من 150 ألف مفقودًا. يتدفق هؤلاء اللاجئون إلى مخيمات مثل أوري كاسوني في شرق تشاد، التي أصبحت الآن مكتظة بأكثر من 100 ألف شخص.

نقص حاد في الموارد والرعاية الطبية

المخيمات تعاني من نقص حاد في الموارد الأساسية، بما في ذلك الغذاء والمياه والمأوى والرعاية الطبية. المستشفيات المتهالكة تفتقر إلى أبسط المقومات، مما يضع حياة الجرحى في خطر مضاعف. حسام الطاهر، وهو أحد الناجين، فر من المدينة على عربة يجرها حمار قبل أيام قليلة من “مجزرة المستشفى السعودي” التي راح ضحيتها 400 مريض. هو ووالدته تعرضا للاحتجاز وطُلب فدية لإطلاق سراحهما.

قصص صمود وإنسانية وسط الخراب

على الرغم من الظروف القاسية، يجد اللاجئون طرقًا للحفاظ على كرامتهم وإنسانيتهم. علي إسحق، الذي فقد ساقه في غارة جوية قتلت عائلته، هرب مع صديقه يحيى رزق، الذي حمله على ظهره لمدة سبعة أيام عبر الصحراء. يقول يحيى: “كنا نتحرك في الظلام مثل الخفافيش، لأنهم إذا عثروا علينا لقطعونا إربًا”.

هذه القصص، وغيرها الكثير، تجسد الصمود والإرادة القوية للبقاء على قيد الحياة. ومع ذلك، فإن الوضع في الفاشر والمخيمات المحيطة بها يتطلب تدخلًا عاجلاً من المجتمع الدولي.

تجاهل دولي ومستقبل مجهول

تجاهل المجتمع الدولي للأزمة في دارفور، وتحديدًا في الفاشر، أمر مقلق للغاية. المساعدات الإنسانية شحيحة وغير كافية لتلبية احتياجات العدد المتزايد من اللاجئين. هؤلاء الناجون يقبعون في مخيمات، يتضاعف عدد سكانها يوميًا، في انتظار المساعدة التي قد لا تأتي أبدًا.

من الضروري أن تولي المنظمات الدولية والأفراد اهتمامًا فوريًا بهذه المأساة. يجب توفير الغذاء والمياه والرعاية الطبية والمأوى للاجئين. كما يجب الضغط على الأطراف المتنازعة لوقف العنف وحماية المدنيين. مستقبل الفاشر وسكانها معلق في الميزان، ويتطلب تضافر الجهود لإنقاذهم من كارثة إنسانية وشيكة. إن عدم التحرك الآن يعني التخلي عن ملايين الأرواح التي تستحق الحياة والكرامة.

الكلمات المفتاحية: الفاشر، دارفور، السودان، اللاجئين، أزمة إنسانية.

شاركها.
اترك تعليقاً