أثار مقال حديث لعالمة الاجتماع إيفا إيلوز، ربطت فيه بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية، جدلاً واسعاً في الأوساط الأكاديمية والفنية والنشطاء اليهود. المقال، الذي نشر في صحيفة لوموند، دفع مجموعة من الشخصيات البارزة إلى إصدار بيان مضاد، يؤكد على أهمية التمييز بين النقد السياسي الصهيونية كحركة قومية وبين الكراهية تجاه اليهود كشعب. هذا النقاش يكتسب أهمية خاصة في ظل تصاعد التوترات العالمية وتزايد المخاوف من كل من التمييز ضد اليهود والظلم الفلسطيني.

الجدل حول الربط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية

ترى إيلوز أن نقد الصهيونية، في جوهره، يشكك في حق اليهود في تقرير مصيرهم ووجود دولة قومية لهم. هذا الطرح يجد صدى لدى البعض الذين يعتبرون أن أي شكل من أشكال انتقاد إسرائيل أو سياساتها يُعدّ تمويهاً لمعاداة السامية. ومع ذلك، يرفض الموقعون على البيان هذا الربط المباشر، مؤكدين أن معاداة الصهيونية لا تعني بالضرورة معاداة اليهود.

التمييز بين النقد السياسي والكراهية العرقية

يؤكد البيان أن نقد السياسات الإسرائيلية، بما في ذلك سياسات الاحتلال والاستيطان، هو حق مشروع، ولا ينبغي اعتباره تلقائيًا معاداة للسامية. بل إن اعتبار كل نقد للصهيونية شكلاً من أشكال معاداة السامية، يساهم في إسكات الأصوات المشروعة التي تسعى إلى تحقيق العدالة والسلام. هذا التمييز بالغ الأهمية للحفاظ على حرية التعبير وضمان عدم استخدام اتهامات بمعاداة السامية لقمع النقد السياسي.

لماذا يعتبر الربط إشكاليًا؟

الربط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية يثير عدة إشكاليات. أولاً، إنه يختزل الهوية اليهودية في الصهيونية، متجاهلاً التنوع الهائل في المعتقدات والممارسات السياسية والاجتماعية داخل المجتمع اليهودي. فالعديد من اليهود لا يتفقون مع السياسات الإسرائيلية، ويعتبرون أن الصهيونية ليست التمثيل الوحيد لهم.

ثانياً، هذا الربط يمكن أن يعيق الجهود المبذولة لمكافحة معاداة السامية الحقيقية. فإذا تم استخدام اتهامات بمعاداة السامية بشكل مفرط وغير مبرر، فإن ذلك سيقلل من مصداقية هذه الاتهامات ويجعل من الصعب على الضحايا الحصول على الدعم والعدالة.

الهوية اليهودية: أكثر من مجرد صهيونية

يشير البيان إلى أن الهوية اليهودية معقدة ومتعددة الأوجه، ولا يمكن اختزالها في الولاء لدولة إسرائيل. فالتاريخ اليهودي غني بالثقافة والدين والفلسفة، وقد شهد اليهود عبر العصور مجتمعات متنوعة في جميع أنحاء العالم. إن محاولة فرض تعريف واحد للهوية اليهودية، بناءً على الصهيونية، هو أمر غير عادل وغير دقيق.

التجربة التاريخية للاضطهاد والبحث عن المساواة

لا شك أن التجربة التاريخية للاضطهاد لعبت دوراً هاماً في تشكيل الهوية اليهودية. ومع ذلك، فإن هذه التجربة لا تبرر بالضرورة تبني الصهيونية كحل وحيد. بل إنها تؤكد على أهمية النضال من أجل المساواة والحقوق الكونية لجميع البشر، بغض النظر عن دينهم أو عرقهم أو جنسيتهم. هذا النضال يشمل الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، الذين يعانون من الظلم والتهجير بسبب السياسات الإسرائيلية.

نقد الصهيونية: رفض ثلاثي

يحدد البيان ثلاثة جوانب أساسية لنقد الصهيونية: رفض اعتبار هجرة اليهود إلى إسرائيل قدرًا محتومًا، ورفض اختزال اليهود في دولة إسرائيل، ورفض الأساس الإثني الديني للدولة. هذا “الرفض الثلاثي” لا ينطوي على كراهية لليهود، بل هو تعبير عن التزام بمبادئ العدالة والمساواة.

قانون الدولة القومية الإسرائيلي وتكريس عدم المساواة

يرى الموقعون على البيان أن تطور هوية قومية إسرائيلية لا يبرر الطابع الإثني الديني للدولة، ولا القوانين التي تكرس عدم المساواة بين المواطنين. ويشيرون بشكل خاص إلى قانون “الدولة القومية للشعب اليهودي” لعام 2018، الذي يمنح الأفضلية لليهود في الدولة ويقوض حقوق الفلسطينيين.

مواجهة معاداة السامية من خلال العدالة للجميع

في الختام، يؤكد البيان أن مواجهة معاداة السامية لا تمر عبر تبني الصهيونية أو الدفاع عن سياسات الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة. بل إنها تمر عبر الدفاع عن حقوق متساوية لجميع البشر، والانخراط في نضالات عالمية من أجل العدالة، بما في ذلك حقوق الشعب الفلسطيني. إن بناء عالم يسوده السلام والمساواة هو أفضل طريقة لمكافحة الكراهية والتمييز بجميع أشكاله. هذا يتطلب حوارًا مفتوحًا وصادقًا حول قضايا الصهيونية والاحتلال وحقوق الإنسان، ورفض أي محاولة لتبسيط هذه القضايا أو اختزالها في صراعات أيديولوجية. إن مستقبل التعايش السلمي يعتمد على قدرتنا على فهم واحترام وجهات النظر المختلفة، والعمل معًا من أجل تحقيق العدالة للجميع.

شاركها.
اترك تعليقاً