في أغسطس/آب 2017، كتب شاب إسكندري اسمه أحمد علي، المعروف لاحقًا باسم “ويجز”، منشورًا بسيطًا على صفحته على فيسبوك، معلنًا عن طموحه في عالم الراب. لم يكن أحد ليتوقع أن هذا المنشور المتواضع سيكون بداية رحلة استثنائية ستكلل بالتعاون مع أسطورة الغناء المصري، محمد منير. هذا التعاون، الذي تجسد في أغنية “كلام فرسان” التي طرحت في نوفمبر/تشرين الثاني 2025، يمثل أكثر من مجرد دويتو موسيقي؛ إنه حوار بين جيلين، وتعبير عن تطور موسيقى الراب في العالم العربي، وشهادة على قدرة الموسيقى على تجاوز الحواجز الزمنية والثقافية.

قصة صعود ويجز: من الهامش إلى النجومية

سبعة أعوام فصلت بين ذلك المنشور الطموح و اللحظة التي وقف فيها ويجز جنبًا إلى جنب مع محمد منير. سبعة أعوام شهدت تحولات كبيرة في مسيرة هذا الشاب، الذي بدأ كهاوٍ متحمس ليصبح أحد أبرز نجوم الراب المصري. لم تكن رحلة ويجز مفروشة بالورود، بل كانت مليئة بالتجارب، والنجاحات، والإخفاقات.

شهدت مسيرته إصدار أغنيات حققت نجاحًا ساحقًا، وأخرى لم تلقَ نفس الصدى. تنقل بين التجديد والتقليد، وبين الأعمال التجارية وأخرى مستقلة، وصولًا إلى مشاركته التاريخية في كأس العالم لكرة القدم في قطر 2022. كل هذه المحطات ساهمت في صقل موهبته وبناء شخصيته الفنية الفريدة.

“كلام فرسان”: جسر فني يربط الأجيال

أغنية “كلام فرسان” ليست مجرد تعاون بين نجمين، بل هي تجسيد لموجة فنية جديدة تهدف إلى جمع رموز موسيقية من أجيال مختلفة. هذه الصيغة، وإن كانت مدعومة من شركات الإنتاج الكبرى، إلا أنها تتجاوز مجرد التجميع الشكلي لأسماء لامعة، لتقدم حوارًا موسيقيًا وثقافيًا عميقًا.

يمثل هذا الدويتو جسرًا فنيًا بين الماضي والحاضر، حيث يمتلك محمد منير إرثًا غنائيًا ضخمًا، بينما يجسد ويجز طموحات وحيوية جيل “زد”. الجمع بين حكمة صوت منير وصراحة ويجز يخلق فضاءً موسيقيًا يتجاوز الاختلافات الأسلوبية، ليصل إلى إحساس مشترك بالصدق والتأمل.

التوازن الصوتي والموسيقي في “كلام فرسان”

ما يميز هذا التعاون تحديدًا هو التوازن الدقيق في الأداء الصوتي والموسيقي. حافظ محمد منير على نبرته المميزة وحضوره المتزن، بينما قدم ويجز أداءً أقل حدة من أعماله السابقة، وكأنه يخطو نحو مساحة موسيقية أكثر قربًا من الموسيقى الشرقية الحديثة.

هذا التوازن لم يأتِ على حساب الهوية الفنية لكل منهما، بل عززها، مما سمح لهما بتقديم أفضل ما لديهما دون أن يطغى أحدهما على الآخر. التوزيع الموسيقي لعب دورًا حاسمًا في تحقيق هذا الانسجام، حيث جمع بين الإيقاعات الشرقية ونغمات الراب المعاصرة، ليمنح الأغنية هوية صوتية فريدة.

حوار الكلمات: اعترافات الشباب وحكمة الكبار

كلمات الأغنية، التي كتبها ويجز بالتعاون مع الشاعر أمير طعيمة، تمثل حوارًا صريحًا بين الجيلين. يعبر ويجز عن مشاعر جيله من خلال اعترافات جريئة: “أنا جدع، أنا أناني وطيّبتي مش عاجباني”. في المقابل، يقدم محمد منير نصائح حكيمة مستمدة من تجربته الطويلة: “العين بتبين إيه جوه، إن كان غدر وإن كان وفا”.

هذا الحوار بين الكلمات يعكس اختلاف وجهات النظر بين الأجيال، ولكنه يؤكد أيضًا على وجود قواسم مشتركة، مثل البحث عن الصدق، والتأمل في الذات والمجتمع. التركيبة الموسيقية تعزز هذا الحوار، حيث تتجانس بين توزيع شرقي ونغمات الراب المعاصرة، مما يمنح الأغنية هوية صوتية وسطية تسمح لكل من منير وويجز بتقديم ما يمتلكان.

الرؤية البصرية: احتفاء بالتراث والثقافة

لم يقتصر نجاح “كلام فرسان” على الجانب الموسيقي والكلماتي، بل امتد ليشمل الرؤية البصرية التي قدمها الفيديو كليب. يصور الفيديو قصة شاب يسعى لتحقيق أحلامه في المدينة الكبيرة، ويستحضر مشاهد من الفرح الشعبي، ورحلة بين الأشغال والأعمال اليدوية.

هذه الرؤية البصرية الغنية تعكس التنوع الثقافي في مصر، وتحتفي بالتراث والتقاليد. الفيديو كليب يخدم الرؤية الموسيقية للأغنية، ويقدم سياقات بصرية تحكي قصة تقارب قصتي محمد منير القادم من النوبة وويجز القادم من الإسكندرية.

في الختام، “كلام فرسان” هو أكثر من مجرد أغنية؛ إنه نموذج لانسجام فني بين أجيال مختلفة، وعمل موسيقي استطاع أن يوظف اختلاف الأدوات والتجارب لصالح رؤية مشتركة. هذا التعاون يثبت أن الموسيقى العربية قادرة على بناء جسور بين الماضي والحاضر، وبين التراث والاتجاهات المعاصرة، وبين الفنانين وجمهور واسع ومتعدد الأذواق. ندعوكم للاستماع إلى الأغنية ومشاركة رأيكم حول هذا العمل الفني المتميز.

شاركها.
اترك تعليقاً