في ظل التوترات المتصاعدة في المنطقة، يظل ملف سلاح حزب الله في لبنان قضية محورية ومعقدة، تتداخل فيها الأبعاد السياسية والأمنية والوطنية. هذا الملف يشكل محوراً رئيسياً للخلافات بين الأطراف اللبنانية وإسرائيل، ويستمر في إلقاء بظلاله على الاستقرار الإقليمي. تتصاعد الدعوات الإسرائيلية لنزع سلاح الحزب، بينما تؤكد الأخيرة على حقها في المقاومة، خاصةً في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء من الأراضي اللبنانية. هذا المقال يتناول آخر المستجدات والتطورات المتعلقة بهذا الملف الشائك، مع التركيز على مواقف الأطراف المعنية والتهديدات المحتملة.
تطورات قضية سلاح حزب الله: من اتفاق وقف إطلاق النار إلى التهديدات الإسرائيلية
بعد توقف الأعمال القتالية في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب الشاملة التي بدأت في سبتمبر/أيلول 2024، والتي سبقتها عدوانية إسرائيلية بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2023 أسفرت عن مقتل أكثر من 4 آلاف شخص وإصابة 17 ألفاً آخرين، لم يهدأ التوتر في جنوب لبنان. إسرائيل تتهم حزب الله بخرق اتفاق وقف إطلاق النار أكثر من 4500 مرة، وتبرر عدواناتها المتكررة بضرورة حماية أمنها القومي.
وتشير التقارير إلى أن إسرائيل كثفت من تهديداتها العلنية بشن عملية عسكرية واسعة النطاق في لبنان، بهدف “إلزام الحكومة اللبنانية بنزع سلاح حزب الله”، كما صرح وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس. هذه التهديدات تأتي في وقت يواجه فيه لبنان أزمة سياسية واقتصادية حادة، مما يزيد من تعقيد الوضع ويضع الحكومة أمام تحديات كبيرة.
موقف كتلة حزب الله في البرلمان اللبناني
في رد فعل على هذه التهديدات، حذرت كتلة حزب الله في البرلمان اللبناني السلطات اللبنانية من الانزلاق إلى تنفيذ شروط إسرائيلية تهدف إلى “إذلال الجيش اللبناني ومواصلة انتهاك السيادة الوطنية”. وأكدت الكتلة على أن حق اللبنانيين في مقاومة الاحتلال حق مشروع، وأن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية يمثل الأولوية الوطنية القصوى.
كما أدانت كتلة حزب الله استهداف إسرائيل للمدنيين وأفراد الجيش اللبناني، ودعت الحكومة إلى اتخاذ إجراءات حازمة لضمان التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار وتنفيذ ما عليها من التزامات. هذا الموقف يعكس تمسك الحزب بسلاحه، واعتباره جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية الدفاع عن لبنان.
قرار الحكومة اللبنانية بشأن حصر السلاح
في أغسطس/آب الماضي، أقر مجلس الوزراء اللبناني حصر السلاح بيد الدولة، بما في ذلك سلاح حزب الله، وتكليف الجيش بوضع خطة لتنفيذ هذا القرار قبل نهاية عام 2025. ومع ذلك، أكد الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، مراراً أن الحزب لن يسلم سلاحه، مطالباً بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية.
هذا التناقض بين قرار الحكومة وموقف حزب الله يعكس الانقسام العميق في المجتمع اللبناني حول قضية السلاح غير الشرعي. إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتقصير في تفعيل قرار نزع السلاح، وهي اتهامات ترفضها بيروت بشدة. وتعتبر الحكومة اللبنانية أن تطبيق هذا القرار يتطلب توافقاً سياسياً وطنياً، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة وتصعيد الميدان
على الصعيد الميداني، كثف الجيش الإسرائيلي من اعتداءاته على مواقع في جنوب لبنان، زاعماً أنها مواقع إطلاق صواريخ تابعة لحزب الله. وذكرت تقارير إعلامية أن مقاتلات إسرائيلية استهدفت محيط بلدتي زفتا والنميرية في قضاء النبطية، بالإضافة إلى محيط بلدتي تبنا في قضاء صيدا وحومين جنوبي لبنان.
وادعى الجيش الإسرائيلي أنه دمر منشآت عسكرية وبنى تحتية استخدمها الحزب في عملياته الأخيرة. في المقابل، لم يصدر عن حزب الله أي تعليق رسمي حول هذه الاعتداءات، لكن مصادر إعلامية مقربة من الحزب أكدت على أن الحزب رد على هذه الاعتداءات بقصف مواقع إسرائيلية في شمال فلسطين المحتلة. هذا التصعيد الميداني يثير مخاوف من انزلاق المنطقة إلى مواجهة عسكرية أوسع.
مستقبل قضية سلاح حزب الله والحلول الممكنة
إن مستقبل قضية سلاح حزب الله يظل غامضاً، ويتوقف على العديد من العوامل الإقليمية والدولية. من الواضح أن إسرائيل لن تتخلى عن مطالبها بنزع سلاح الحزب، بينما يصر الحزب على الاحتفاظ بسلاحه باعتباره رادعاً للعدوان الإسرائيلي.
لتحقيق الاستقرار في المنطقة، من الضروري إيجاد حلول سياسية شاملة لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع. ويشمل ذلك إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية، وتطبيق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وضمان حقوق الفلسطينيين. بالإضافة إلى ذلك، يجب على المجتمع الدولي أن يلعب دوراً أكثر فاعلية في دعم جهود السلام والتنمية في لبنان. كما أن تعزيز دور الجيش اللبناني وتزويده بالإمكانات اللازمة لحماية الحدود ومواجهة التحديات الأمنية يمثل خطوة أساسية نحو تحقيق الاستقرار. الوضع الحالي يتطلب حواراً بناءً بين جميع الأطراف المعنية، بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن أمن واستقرار لبنان والمنطقة. الوضع الأمني في لبنان مرتبط بشكل وثيق بهذه القضية.
الخلاصة
تظل قضية سلاح حزب الله تحدياً كبيراً للبنان وإسرائيل والمنطقة بأسرها. يتطلب حل هذه القضية معالجة الأسباب الجذرية للصراع، وإيجاد حلول سياسية شاملة، وتعزيز دور المؤسسات الشرعية في لبنان. إن استمرار التوتر والتصعيد الميداني يهدد بتقويض جهود السلام والاستقرار، ويضع المنطقة على شفا مواجهة عسكرية جديدة. لذلك، من الضروري التحلي بالحكمة والمسؤولية، والعمل على إيجاد حلول سلمية ودائمة لهذه القضية المعقدة.















