في قلب مدينة بيت لحم، تتصاعد وتيرة المعاناة الفلسطينية، ليس فقط بسبب الحصار الخانق والقيود المفروضة على الاحتفال بأعياد الميلاد، بل أيضًا من خلال استهدافٍ ممنهجٍ لأبسط مظاهر الحياة الكريمة، مثل الأماكن الترفيهية والرياضية. آخر هذه الممارسات، إخطار بهدم ملعب عايدة الرياضي، المتنفس الوحيد لأطفال وشباب مخيم عايدة للاجئين. هذا الإجراء يمثل محاولة يائسة لكسر الروح المعنوية للمخيم وسكانها، وتقويض أي بصيص أمل في مستقبل أفضل.

قصة ملعب عايدة: من رحم المعاناة إلى رمز للصمود

ولد الملعب التابع لمركز شباب عايدة الرياضي من رحم المعاناة، في مخيم للاجئين يعاني من الاكتظاظ الشديد ونقص الخدمات. يقع الملعب على أرض مستأجرة، ويحاذي جدار الفصل العنصري، في منطقة يفترض أنها تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية. هذا الموقع، بحد ذاته، يجسد التحديات التي تواجه الفلسطينيين في الحفاظ على مساحاتهم الحيوية في ظل الاحتلال.

نشأة الملعب وأهميته للمخيم

تأسس مخيم عايدة عام 1950، ويقطنه لاجئون هُجروا من 17 قرية فلسطينية خلال النكبة عام 1948. اليوم، يعاني المخيم من اكتظاظ سكاني كبير، حيث يبلغ عدد السكان أكثر من 7 آلاف نسمة، ويعانون من نقص حاد في المرافق الترفيهية. قبل إنشاء الملعب، كان سكان المخيم يضطرون للبحث عن مساحات فارغة على أطرافه لممارسة الرياضة، لكن بناء الجدار الفاصل حال دون ذلك.

تم إنشاء الملعب الحالي قبل حوالي خمس سنوات، من خلال شراكة بين اللجنة الشعبية في مخيم عايدة وبلدية بيت لحم ودير الأرمن. يمتد الملعب على مساحة ألفي متر مربع، منها 1100 متر مربع من المساحات الخضراء. يهدف الملعب إلى تشجيع النشاط الرياضي والصحي والنفسي والبدني في المخيم، وتعزيز قدرات الكادر الرياضي وخلق جيل طموح من الشباب.

نضال رياضي ضد الاحتلال: أكثر من مجرد لعبة

الرياضة في مخيم عايدة ليست مجرد نشاط ترفيهي، بل هي شكل من أشكال المقاومة السلمية والتعبير عن الهوية الفلسطينية. فريق “عُد” الرياضي، الذي تأسس لتمثيل اللاجئين الفلسطينيين في بيت لحم، يحمل في طياته حلم العودة إلى الديار.

أكاديمية “عُد” الرياضية ودورها في تنمية الشباب

يعزز الملعب الكوادر والمهارات لمختلف فئات المخيم، بما في ذلك 250 شابًا وشابة هم جزء من أكاديمية “عُد” الرياضية ومركز شباب عايدة. هذه الأكاديمية توفر لهم مساحة آمنة للتعبير عن أنفسهم وتنمية مواهبهم، وتعزيز شعورهم بالانتماء والكرامة.

المدرب الرياضي مهند أبو سرور يؤكد أن الملعب تعرض للمضايقات منذ بدايات إنشائه، حيث صودرت معدات ومواد البناء واعتقل العاملون فيه. ومع ذلك، صمد الملعب واستمر في تقديم خدماته لأطفال المخيم.

إخطار الهدم: محاولة لقتل الأمل

في الثالث من نوفمبر الماضي، تلقت اللجنة الشعبية في مخيم عايدة إخطارًا بالهدم على مدخل ملعب عايدة. يستند الإخطار إلى ذرائع أمنية، وهو تبرير لا يجد له القائمون على الملعب مسوغا سوى محاولة قتل الفرحة والمتنفس الوحيد لمخيم مكتظ بالسكان.

القائمون على مركز شباب عايدة، واللجنة الشعبية بالمخيم والمركز الكاثوليكي لحقوق الإنسان “سانت إيف” يبذلون جهودًا مكثفة في المحاكم الإسرائيلية لمنع الهدم. ويرون أن الملعب يقع في منطقة “أ” التي تتولى إدارتها السلطة الفلسطينية، وبالتالي لا يوجد أي مبرر قانوني لهدمه.

الرياضة الفلسطينية تحت النار: خسائر فادحة في غزة والضفة

يأتي إخطار هدم ملعب عايدة في وقت تكبدت فيه الرياضة الفلسطينية خسائر كبيرة خلال السنوات الأخيرة، خاصة في قطاع غزة والضفة الغربية. تشير معطيات الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم إلى أنه بين أكتوبر 2023 وأكتوبر 2025، تم تدمير 269 منشأة رياضية كليًا أو جزئيًا، واستشهد أكثر من 949 رياضياً، بينهم أكثر من 467 لاعب كرة قدم.

مستقبل غامض: هل سينجو الملعب؟

إن هدم ملعب عايدة لن يؤثر فقط على الأنشطة الرياضية في المخيم، بل سيمثل ضربة قوية لأحلام وطموحات الشباب الفلسطيني. الطفل ورد جواريش، أحد رواد الملعب، يعبر عن حزنه وخوفه من فقدان هذا المكان الذي يعتبره بيته الثاني.

الاحتلال الإسرائيلي يحاول باستمرار تقويض أي شيء يراه الفلسطيني جميلاً أو يمثل له قيمة. إن صمود ملعب عايدة يمثل تحديًا للاحتلال، ورمزًا للأمل في مستقبل أفضل. يبقى السؤال: هل ستنجح الجهود القانونية والشعبية في إنقاذ هذا الملعب، أم سيستسلم الاحتلال لإرادة الصمود الفلسطينية؟ من الضروري تسليط الضوء على هذه القضية ودعم الجهود المبذولة للحفاظ على هذا المتنفس الحيوي لأطفال وشباب مخيم عايدة.

شاركها.
اترك تعليقاً