25/12/202525/12/2025|آخر تحديث: 26/12/2025 11:05 (توقيت مكة)آخر تحديث: 26/12/2025 11:05 (توقيت مكة)انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعيshare2
طرابلس – لم يمرّ مصرع رئيس أركان الجيش الليبي الفريق أول محمد علي الحداد، مساء الثلاثاء، كحادث أمني عابر، بل فتح بابا واسعا لنقاش أعمق حول مستقبل المؤسسة العسكرية في ليبيا، وتداعياته على الاستقرار السياسي والأمني. هذا الحادث يطرح تساؤلات حاسمة حول دور الجيش في مرحلة انتقالية معقدة، ويضع الضوء على هشاشة المؤسسات في بلد يسعى جاهداً لتحقيق السلام والمصالحة. التحقيق في أسباب تحطم الطائرة لا يقل أهمية عن فهم الآثار المترتبة على فقدان شخصية قيادية بارزة في هذا المنصب الحساس، وهو ما سنستعرضه في هذا التقرير.
أهمية منصب رئيس الأركان في ليبيا: أكثر من مجرد رتبة
يرى المحللون أن حساسية رئاسة الأركان في ليبيا لا تقتصر على البروتوكول العسكري أو الرتبة الرفيعة، بل تنبع من طبيعة الواقع الليبي المعقد. فمنذ عام 2011، لم يتمكن الجيش الليبي من إعادة بناء هيكله الموحد، وظل مشهداً عسكرياً متشرذماً يضم وحدات نظامية وتشكيلات مسلحة مختلفة، لكل منها أجندتها ونفوذها.
الضابط والمحلل العسكري عادل عبد الكافي يوضح أن رئيس الأركان في ليبيا لا يقود جيشاً بالمعنى التقليدي، بل “يدير واقعاً عسكرياً متشظياً”. هذا يعني أن دوره الأساسي أصبح التنسيق والاحتواء بين هذه القوى المتنافسة، بدلاً من إصدار الأوامر العسكرية المباشرة. المنصب تحول إلى موقع لإدارة التوازنات، مما يجعله محوراً رئيسياً للصراع السياسي.
تأثير غياب رئيس الأركان على المشهد الأمني والسياسي
إن فقدان رئيس الأركان يمثل فراغاً قيادياً في لحظة حرجة، لكن تأثيره يتجاوز البعد العسكري ليشمل الهشاشة السياسية التي تعاني منها ليبيا. الناشط السياسي رمضان معيتيق يرى أن ليبيا تمر بمرحلة انسداد سياسي، مما يجعل أي فراغ في موقع سيادي عرضة للاستغلال من قبل مختلف الأطراف.
معيتيق يؤكد أن الحادث لا يقود تلقائياً إلى انفجار أمني، ولكنه يفتح المجال لإعادة تموضع القوى المتنافسة. الخطر الحقيقي، بحسبه، لا يكمن في غياب شخص، بل في غياب توافق سياسي واضح يضمن استمرارية المؤسسات بعيداً عن الاعتبارات الشخصية. هذا التوافق ضروري لملء الفراغ القيادي بشكل يضمن الحفاظ على الاستقرار.
دور رئاسة الأركان في توازنات السلطة الليبية
لا يمكن فهم دور رئاسة الأركان في ليبيا بمعزل عن معادلة السلطة الشاملة. المحلل السياسي حازم الرايس يوضح أن شاغل هذا المنصب يلعب دوراً محورياً في التوازن بين المجلس الرئاسي، والحكومة، والقوى المسلحة. لم يعد رئيس الأركان مجرد قائد عسكري، بل أصبح جزءاً من منظومة إدارة الاستقرار في البلاد.
الرايس يشير إلى أن حساسية الموقع تزداد في ظل ارتباط الملف العسكري بالمسارات الدولية، مما يجعل أي تغيير فيه محاطاً بحسابات داخلية وخارجية معقدة. هذا الارتباط الدولي يضع رئيس الأركان تحت ضغوط إضافية لضمان توافق الإجراءات العسكرية مع الأهداف السياسية الأوسع.
العلاقة المعقدة بين رئاسة الأركان والتشكيلات المسلحة
تعتبر العلاقة بين رئاسة الأركان والتشكيلات المسلحة من أكثر الملفات تعقيداً في ليبيا. العميد عبد الكافي يؤكد أن رئاسة الأركان لا تملك سيطرة كاملة على جميع التشكيلات المسلحة، وأن العلاقة غالباً ما تقوم على التفاهمات والتنسيق، وليس على التسلسل القيادي الصارم.
بينما يرى الرايس أن هذا الواقع يضع رئيس الأركان أمام تحدي إدارة النفوذ المسلح دون امتلاك أدوات الدولة الكاملة، مما يجعل المنصب عرضة للاهتزاز عند غياب شخصية قادرة على إدارة هذه الشبكة المعقدة. إن تحقيق التكامل بين هذه التشكيلات المسلحة وضمان خضوعها لسلطة الدولة المركزية يمثل تحدياً كبيراً. الأمن في ليبيا يعتمد بشكل كبير على نجاح هذا المسعى.
هل نواجه فراغاً قيادياً أم أزمة أعمق في المؤسسة العسكرية؟
يطرح حادث وفاة رئيس الأركان سؤالاً جوهرياً: هل المشكلة تكمن في غياب الأشخاص أم في بنية المؤسسة نفسها؟ رمضان معيتيق يرى أن ليبيا ما زالت تدير ملفها الأمني بمنطق الأشخاص، محذراً من أن استمرار هذا النهج يجعل المؤسسات عرضة للاهتزاز مع كل تغيير مفاجئ.
في المقابل، يشير عبد الكافي إلى أن المؤسسة العسكرية لم تتوقف عن العمل بعد الحادث، مما يعكس وجود حد أدنى من الاستمرارية. لكنه يؤكد أن الحفاظ على هذا التماسك يتطلب قرارات سياسية واضحة وسريعة. إن تعيين رئيس أركان جديد يتمتع بالكفاءة والخبرة والثقة اللازمة أمر بالغ الأهمية.
الخلاصة: اختبار لقدرة الدولة على إدارة الفراغ
لا يشير حادث وفاة رئيس الأركان، بحد ذاته، إلى انزلاق وشيك نحو مواجهة واسعة، ولكنه قد يتحول إلى عامل توتير إذا لم تُدر المرحلة اللاحرة بحذر. إدارة مرحلة ما بعد الحدّاد ستكون اختباراً حقيقياً لقدرة الدولة على الفصل بين المؤسسة والأشخاص، وعلى منع استثمار الفراغ سياسياً أو أمنياً.
وبينما تستمر التحقيقات الفنية، يبقى التحدي الحقيقي سياسياً وأمنياً، وهو قدرة الدولة على إدارة هذا الغياب ضمن منطق المؤسسة، لا منطق الفراغ، في بلد ما زال يبحث عن معادلة مستقرة بين السلاح والسلطة. إن مستقبل الجيش الليبي يعتمد على قدرة القادة السياسيين والعسكريين على العمل معاً لتحقيق الاستقرار والازدهار لليبيا.















