أشارت دراسة حديثة إلى أن أكبر أقمار كوكب زحل، تيتان، قد لا يمتلك محيطًا عالميًا من المياه السائلة تحت سطحه الجليدي كما كان يُعتقد سابقًا. وبدلاً من ذلك، يبدو أن باطن تيتان أكثر تعقيدًا وبرودة، ويتكون على الأرجح من طبقات كثيفة من الجليد تتخللها مناطق طينية شبه سائلة وجيوب محدودة من الماء الذائب بالقرب من اللب الصخري. هذه النتائج الجديدة تلقي الضوء على التركيب الداخلي للقمر وتثير تساؤلات حول احتمالية وجود حياة فيه.

نُشرت الدراسة في مجلة “نيتشر” في 17 ديسمبر/كانون الأول 2025، وتستند إلى إعادة تحليل دقيقة لبيانات جمعتها مركبة كاسيني التابعة لوكالة ناسا الفضائية خلال مهمتها التي استمرت أكثر من عقد. وقد أثارت هذه البيانات اهتمامًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، حيث كانت تُستخدم لدعم فرضية وجود محيط مائي واسع.

محيط تيتان: نموذج جديد للتركيب الداخلي

أظهرت التحليلات الجديدة أن تفسير وجود محيط مفتوح من الماء السائل لا يتوافق بشكل كامل مع الخصائص الفيزيائية التي كشفت عنها القياسات. وقد دفع هذا العلماء إلى اقتراح نموذج جديد أكثر طينية وأقل سيولة، مما يشير إلى أن التركيب الداخلي لتيتان أكثر تعقيدًا مما كان متوقعًا.

وفقًا للباحث المشارك في الدراسة، بابتيست جورنو، أستاذ علوم الأرض والفضاء المساعد بجامعة واشنطن، فإن الصورة الجديدة تشبه البيئات القطبية الشمالية على الأرض أكثر من محيطاتنا المفتوحة. ويضيف جورنو أن هذا النموذج الجديد يؤثر على فهمنا لنوع الحياة المحتملة التي قد توجد على تيتان، وكذلك على توفر المغذيات والطاقة اللازمة للحياة.

تفسير التشوهات وتأثير الجاذبية

في عام 2008، لاحظ العلماء تشوهات في شكل تيتان أثناء دورانه حول زحل، مما أثار الشكوك حول وجود محيط مائي ضخم. كان يُعتقد أن هذه التشوهات ناتجة عن طبقة سائلة تسمح للقشرة الجليدية بالمرونة. ومع ذلك، عندما أعاد الباحثون بناء نماذج داخلية لتيتان، وجدوا أن النتائج لا تتطابق مع البيانات المسجلة.

أضاف التحليل الجديد عنصر التوقيت، حيث لاحظ العلماء أن تغير شكل تيتان لا يحدث فورًا مع أقصى تأثير لجاذبية زحل، بل يتأخر بنحو 15 ساعة. يشير هذا التأخير إلى أن المادة الموجودة في الداخل ليست سائلة تمامًا، بل أكثر لزوجة، مما يتطلب طاقة أكبر لتحريكها.

فقدان الطاقة كدليل حاسم

أوضح الباحثون أن كمية الطاقة المفقودة داخل تيتان أثناء تشوهه كانت أكبر بكثير مما يمكن تفسيره بوجود محيط مفتوح. ويقول جورنو: “لم يكن أحد يتوقع هذا القدر الكبير من فقدان الطاقة. كان هذا هو الدليل الحاسم الذي أشار إلى أن داخل تيتان يختلف عما استنتجته التحليلات السابقة”.

بناءً على ذلك، اقترح الفريق نموذجًا جديدًا يتضمن طبقات طينية كثيفة تحتوي على ماء، ولكنها ليست سائلة بالقدر الكافي لتشكيل محيط عالمي. ومع ذلك، فإن هذه الطبقات تسمح بحدوث التشوه الملحوظ الذي لوحظ في السابق.

تعتمد هذه الاستنتاجات على قياسات دقيقة لترددات موجات الراديو الصادرة من مركبة كاسيني أثناء مرورها بالقرب من تيتان، وهي طريقة تكشف عن تغيرات طفيفة في الجاذبية. ويوضح جورنو أن طبقة الماء في تيتان سميكة للغاية، وأن الضغط هائل لدرجة أن خصائص الماء والجليد تختلف جذريًا عما نعرفه على الأرض.

على الرغم من أن فكرة وجود محيط ضخم كانت تعتبر محفزًا قويًا للبحث عن الحياة، يرى العلماء أن السيناريو الجديد قد يكون أكثر تشجيعًا. تشير التحليلات إلى أن بعض جيوب المياه العذبة داخل تيتان قد تصل حرارتها إلى 20 درجة مئوية تقريبًا، وهي درجة مناسبة للحياة الميكروبية. كما أن تركيز المغذيات في جيوب صغيرة، بدلاً من انتشارها في محيط شاسع، قد يسهل نشوء أشكال بسيطة من الحياة.

تعتبر هذه الدراسة خطوة مهمة في فهمنا لتيتان، أحد أكثر الأجرام السماوية إثارة للاهتمام في نظامنا الشمسي. وتشير النتائج إلى أن البحث عن الحياة خارج الأرض قد يتطلب منا إعادة النظر في مفاهيمنا التقليدية حول البيئات الصالحة للحياة. من المتوقع أن يتم إجراء المزيد من التحليلات لبيانات كاسيني في الأشهر والسنوات القادمة، مما قد يؤدي إلى اكتشافات جديدة حول التركيب الداخلي لتيتان وإمكانية وجود حياة فيه. وستظل مهمة دراسة تيتان أولوية قصوى لوكالات الفضاء العالمية، مع التخطيط لمهمات مستقبلية قد تتضمن إرسال مركبات استكشافية إلى سطح القمر أو حتى إلى داخله.

الكلمات المفتاحية الثانوية المستخدمة: كوكب زحل، مركبة كاسيني، الجاذبية.

شاركها.
اترك تعليقاً