في سباق محموم نحو التفوق البحري، يشهد العالم تصاعدًا في تطوير حاملات الطائرات العملاقة، حيث تتنافس فرنسا وتركيا على قيادة هذا المجال الاستراتيجي. هذا التنافس، الذي سلطت عليه صحيفة “شيناري إيكونوميشي” الإيطالية الضوء، يمثل تحولًا في ميزان القوى البحرية، ويطرح تساؤلات حول جدوى هذه المنصات الضخمة في عصر الصواريخ الحديثة. يركز هذا المقال على تفاصيل هذا السباق نحو حاملات الطائرات، مع تحليل للمشاريع التركية والفرنسية، والتحديات التي تواجهها.
مشروع “موغيم” التركي: قفزة نوعية في القدرات البحرية
تعتبر حاملة الطائرات التركية “موغيم” (TCG Anadolu) بمثابة نقلة نوعية للبحرية التركية، حيث وصفت بأنها “الشقيق الأكبر” للسفينة “تي سي جي أناضولو”. لا يقتصر الأمر على حجمها، بل يمتد ليشمل التصميم المبتكر الذي يهدف إلى تحسين القدرة على مواجهة ظروف البحر المختلفة، وتقليل استهلاك الوقود بنسبة تصل إلى 1.5%.
الخصائص التقنية لحاملة الطائرات “موغيم”
تم تصميم “موغيم” للانتقال من مهام الدفاع الساحلي إلى العمليات في أعالي البحار، وهي قادرة على استيعاب حوالي 50 طائرة، بما في ذلك نسخ بحرية من طائرات “هورغيت” والطائرات المسيّرة “أنكا-3″ و”بيرقدار”. تتميز هذه الحاملة بقدرات دفاعية وهجومية متقدمة، بفضل أنظمة “سي آي دبليو إس غوكدينيز” للدفاع القريب، وقواذف الإطلاق العمودي “ميدلاس”. هذه الأنظمة تعزز استقلالية السفينة في مسارح العمليات البحرية المختلفة.
مشروع “بورت-أفيون نوفيل جينيراسيون” الفرنسي: قوة نووية عائمة
على الجانب الآخر، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رسميًا عن مشروع “بورت-أفيون نوفيل جينيراسيون” (PA-NG)، وهي حاملة طائرات نووية ستكون الأكبر في أوروبا. تم تأمين التمويل النهائي للمشروع مؤخرًا، مما يمهد الطريق لبناء هذه السفينة الحربية الضخمة.
الاعتماد على الطاقة النووية والاستقلالية الاستراتيجية
تراهن فرنسا على الطاقة النووية كركيزة أساسية لضمان استقلاليتها الاستراتيجية. تتميز “بي إيه-إن جي” بإزاحة تبلغ 78 ألف طن وطول يصل إلى 310 أمتار، وتعتمد على مفاعلين نوويين من طراز كي 22، بقدرة إنتاجية تتراوح بين 220 و230 ميغاواط لكل منهما. هذا يوفر مدى تشغيليًا واسعًا وطاقة كافية لدعم أنظمة قتالية متقدمة، بما في ذلك منجنيقات كهرومغناطيسية إيمالس، والتي يُرجح أن تكون ذات منشأ أمريكي. من المتوقع أن تدخل هذه الحاملة الخدمة في عام 2038، مما يضمن لفرنسا القدرة على العمل في منطقة المحيط الهندي والهادئ دون الاعتماد على قواعد ثابتة.
جدوى حاملات الطائرات في العصر الحديث: هل هي أهداف عائمة؟
يثير السباق نحو حاملات الطائرات تساؤلات حول جدوى هذه المنصات في مواجهة التهديدات الحديثة، مثل الصواريخ الفرط صوتية. يرى بعض المنتقدين، استنادًا إلى وثائق صادرة عن البنتاغون وتحليلات، أن حاملات الطائرات أصبحت “أهدافًا عائمة” في هذا العصر. ومع ذلك، فإن العقيدة العسكرية السائدة لا تتفق مع هذا الطرح.
حاملات الطائرات كقواعد جوية سيادية
يؤكد الأدميرال الأميركي بابارو، وعدد من الأدميرالات الروس السابقين، أن حاملة الطائرات تظل الأداة الوحيدة القادرة على توفير قاعدة جوية سيادية، متحركة، وقوية، وغير خاضعة للقيود الدبلوماسية التي تفرضها الدول المضيفة. بالإضافة إلى ذلك، تُعد هذه المنصات محركات هائلة للتقدم التكنولوجي والصناعي. طالما بقيت الحاجة إلى توفير القوة بعيدًا عن الحدود الوطنية، ستواصل القوات البحرية بناء هذه “المدن العائمة”، مع تقبّل المخاطر المحسوبة المرتبطة بقابليتها للتعرض للهجمات. إن الاستثمار في حاملات الطائرات يمثل استثمارًا في القدرة على الإسقاط البحري للقوة.
مقارنة بين “موغيم” و”يو إس إس رونالد ريغان”: اختلافات جوهرية
هناك اختلاف جوهري بين حاملة الطائرات التركية “موغيم” وحاملة الطائرات الأمريكية “يو إس إس رونالد ريغان”، وبدرجة أقل الحاملة الفرنسية، يتمثل في أن المشروع التركي يركز على تسليح مباشر وقوي، يجمع بين القدرات الدفاعية والهجومية. تم تزويد “موغيم” بـ32 خلية إطلاق عمودي مخصصة لصواريخ مضادة للطائرات وأخرى تكتيكية مضادة للسفن. هذا التركيز على التسليح المباشر يعكس استراتيجية تركية تهدف إلى تعزيز قدراتها القتالية في المنطقة. إن تطوير حاملات الطائرات يمثل جزءًا من استراتيجية أوسع لتعزيز الأمن القومي.
في الختام، يمثل السباق نحو حاملات الطائرات بين فرنسا وتركيا تطورًا هامًا في المشهد البحري العالمي. كل من المشروعين يهدف إلى تعزيز القدرات البحرية للدولة المعنية، وتحقيق الاستقلالية الاستراتيجية. على الرغم من التحديات التي تواجه هذه المشاريع، فإن حاملات الطائرات ستظل تلعب دورًا حاسمًا في الحفاظ على الأمن البحري والإقليمي في المستقبل المنظور. هل ستنجح هذه الدول في تحقيق أهدافها؟ هذا ما ستكشف عنه السنوات القادمة.















