مع دخول الصراع في أوكرانيا منعطفًا حادًا، تتزايد المخاوف من تصعيد روسي يستهدف الغرب، وتحديدًا المملكة المتحدة. تحليل حديث نشره موقع آي بيبر البريطاني يشير إلى أن الكرملين يركز جهوده على شن حرب هجينة ضد بريطانيا، بينما تتصاعد الأصوات المطالبة بمسارات دبلوماسية للسلام. هذا التحول في الاستراتيجية الروسية، وتوقعات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسلام وشيك، يثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين روسيا والغرب، ومستقبل الأمن الأوروبي.
تصاعد التوتر: استراتيجية روسيا الجديدة تجاه الغرب
وفقًا للدكتور مارك غاليوتي، المؤرخ المتخصص في شؤون الجريمة والأمن الروسي، فإن موسكو تتجه نحو تكثيف حملتها غير المعلنة ضد بريطانيا. هذه الحملة لا تعتمد على المواجهة العسكرية المباشرة، بل على مزيج معقد من التكتيكات، بما في ذلك التضليل الإعلامي، والضغط السيبراني، والاستفزازات الأمنية، ومحاولات زعزعة الاستقرار السياسي الداخلي. الهدف ليس بالضرورة إعلان الحرب، بل إضعاف بريطانيا وتقويض دورها كلاعب رئيسي في دعم أوكرانيا ومعارضة السياسات الروسية.
دور التضليل الإعلامي في إذكاء العداء
يلعب الترويج الإعلامي الداخلي لـ “العدو الخارجي” دورًا حاسمًا في السياسة الروسية. يعتقد غاليوتي أن هذا الترويج يخدم الرئيس فلاديمير بوتين سياسيًا من خلال تبرير عسكرة الدولة وقمع المعارضة الداخلية. من خلال تصوير الغرب، وخاصة بريطانيا، كتهديد وجودي، يمكن لبوتين حشد الدعم الشعبي لسياساته وتبرير الإنفاق العسكري الضخم.
بريطانيا في مرمى النيران: لماذا التركيز على لندن؟
يشير التحليل إلى أن بريطانيا تحتل مكانة فريدة في الفكر الروسي، حيث تُعتبر “الشرير الحقيقي”. تُتهم لندن بأنها المحرك الرئيسي للمؤامرات الغربية ضد روسيا، وأنها تسعى باستمرار إلى تقويض مصالحها. الادعاءات الروسية الأخيرة، مثل الزعم بوجود خطة بريطانية أوكرانية لاختطاف طائرة عسكرية بهدف إثارة التوتر مع حلف الناتو، تعكس هذا التصور المتجذر. هذا التركيز على بريطانيا يعكس إدراك الكرملين لأهمية لندن كحليف رئيسي لأوكرانيا وكمركز مالي وسياسي مؤثر.
الحرب الهجينة: التجسس والعمليات السيبرانية
على الرغم من أن احتمال اندلاع حرب عسكرية مباشرة بين روسيا وبريطانيا في عام 2026 يبدو ضعيفًا، نظرًا لحاجة الجيش الروسي إلى إعادة بناء قدراته، إلا أن غاليوتي يحذر من تصعيد كبير في “الحرب الهجينة”. تشمل هذه الحرب أدوات غير عسكرية مثل التجسس، والهجمات السيبرانية، والتضليل الإعلامي، والتخريب المادي، ومحاولات زعزعة الاستقرار السياسي. الخطر الأكبر لا يكمن في التجسس التقليدي، بل في “التدابير النشطة” التي تهدف إلى التأثير السياسي غير المباشر والإحراج والابتزاز.
آفاق السلام في أوكرانيا: نظرة متشائمة
على الرغم من حديث الرئيس ترامب عن إمكانية التوصل إلى سلام قريب في أوكرانيا، يرى غاليوتي أن أي سلام يتم التفاوض عليه سيكون “بشعا وغير عادل”. ويشكك في إمكانية تحقيق مصالحة حقيقية بين روسيا وأوكرانيا في ظل استمرار التوترات العميقة. كما أن تضامن الاتحاد الأوروبي مع بريطانيا يمثل عائقًا إضافيًا أمام أي تقارب روسي أوروبي. هذا يعني أن الصراع في أوكرانيا قد يستمر في التفاقم، وأن التوترات بين روسيا والغرب ستظل مرتفعة.
الاستعداد للمواجهة: توصيات لبريطانيا
يشدد غاليوتي على أن بريطانيا يجب أن تركز على تعزيز أمنها ومرونتها في مواجهة التهديدات الروسية المتزايدة. ويحذر من مغبة إرضاء غرور بوتين من خلال إظهار الخوف أو التراجع. بدلاً من ذلك، يجب على لندن أن تتبنى موقفًا حازمًا وأن تستعد لمواجهة موجة متصاعدة من الهجوم الدعائي والتصعيد الخفي الذي تشنه روسيا. الاستعداد لمواجهة الحرب الهجينة يتطلب استثمارات كبيرة في الأمن السيبراني، وتعزيز القدرات الاستخباراتية، ومكافحة التضليل الإعلامي، ودعم التماسك السياسي الداخلي.
في الختام، على الرغم من أن سيناريو اندلاع حرب شاملة وشيكة يبدو مستبعدًا، إلا أن عام 2026 يتطلب من بريطانيا وأوروبا بأكملها الاستعداد لمواجهة تصعيد روسي واسع النطاق، سواء كان ذلك من خلال الهجوم الدعائي أو من خلال الحملة الخفية التي تهدف إلى تقويض الاستقرار. التحليل الصادر عن آي بيبر يقدم تحذيرًا هامًا حول التحديات الأمنية التي تواجه الغرب، ويؤكد على ضرورة اتخاذ إجراءات استباقية لحماية المصالح الوطنية والأمن الإقليمي. من الضروري متابعة التطورات الجيوسياسية عن كثب، والاستعداد لسيناريوهات مختلفة، والعمل على تعزيز التعاون الدولي لمواجهة التهديدات المشتركة.















