تأثير الكلاب على الصحة النفسية: “جسر ميكروبي” يعزز التعاطف والسلوك الإيجابي

لطالما اعتبر الإنسان الكلاب “أصدقاءً مخلصين”، ولكن العلاقة بينهما تتجاوز مجرد الرفقة. أظهرت دراسة علمية حديثة أن تربية الكلاب لها تأثيرات إيجابية عميقة على الصحة النفسية للإنسان، وأن هذه التأثيرات قد تكون مرتبطة بتبادل الكائنات الدقيقة بين الإنسان وحيوانه الأليف. هذه الظاهرة المثيرة للاهتمام تبدو وكأنها “جسر ميكروبي” يعزز التعاطف والسلوك الاجتماعي الإيجابي، مما يفتح آفاقًا جديدة لفهم العلاقة المعقدة بين الإنسان والحيوان.

دراسة علمية تكشف عن “الجسر الميكروبي”

نشر باحثون نتائجهم في مجلة “آي ساينس” (iScience) المرموقة، حيث اكتشفوا أن تربية الكلاب تؤدي إلى زيادة في أنواع معينة من الميكروبات الموجودة على أجسام أصحابها. هذه الميكروبات ليست مجرد كائنات دقيقة عابرة، بل يبدو أنها مرتبطة بشكل مباشر بتحسين الصحة النفسية وتعزيز المشاعر الإيجابية.

الدراسة لم تقتصر على الملاحظة، بل تعمقت في تحليل الميكروبيوم الفموي لأطفال يبلغون 13 عامًا. قسّم الباحثون المشاركين إلى مجموعتين: مجموعة تربي الكلاب وأخرى لا تملك حيوانات أليفة. الميكروبيوم، وهو مجتمع الكائنات الحية الدقيقة الذي يعيش على وفي أجسامنا، يلعب دورًا حيويًا في العديد من وظائف الجسم، بما في ذلك الهضم والمناعة وحتى الصحة العقلية.

اختلافات في الميكروبيوم الفموي بين مربي الكلاب وغيرهم

على الرغم من أن التنوع الإجمالي للميكروبات كان مشابهًا بين المجموعتين، إلا أن الباحثون لاحظوا اختلافات واضحة في بنية الميكروبيوم. الأهم من ذلك، كان هناك زيادة ملحوظة في أنواع معينة من البكتيريا الفموية لدى الأطفال الذين يربون الكلاب. هذه الزيادة تشير إلى أن وجود الكلاب في المنزل له تأثير مباشر على تكوين الميكروبيوم لدى أصحابها.

دور الميكروبيوم في الصحة النفسية

الميكروبيوم ليس مجرد مجموعة من الكائنات الدقيقة، بل هو نظام بيئي معقد يؤثر بشكل كبير على صحتنا العامة. تساعد هذه الكائنات الدقيقة في التئام الجروح، وتقوية جهاز المناعة، وتعزيز فعالية الأدوية. ولكن الأبحاث الحديثة تشير أيضًا إلى وجود صلة قوية بين الميكروبيوم والصحة النفسية، حيث يمكن أن يؤثر على مستويات الناقلات العصبية والمواد الكيميائية في الدماغ التي تنظم المزاج والسلوك.

تأثير الميكروبات على السلوك الاجتماعي والتعاطف

للتأكد من أن هذه التغييرات الميكروبية لها تأثير سلوكي حقيقي، قام الباحثون بتجربة مثيرة للاهتمام. زرعوا ميكروبيومًا من مراهقين يربون الكلاب في أمعاء فئران. النتائج كانت مذهلة: الفئران التي تلقت الميكروبيوم من مربي الكلاب قضت وقتًا أطول في الاقتراب من أقرانها، وأظهرت “سلوكًا اجتماعيًا إيجابيًا” بدرجة أعلى بكثير مقارنة بالفئران الأخرى.

هذا السلوك الاجتماعي الإيجابي يشمل زيادة في التفاعلات اللطيفة، وتقليل في السلوك العدواني، وزيادة في الرغبة في الاستكشاف المشترك. وهذا يؤكد أن الميكروبات التي يتم تبادلها بين الإنسان والكلب يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على السلوك الاجتماعي والتعاطف.

نتائج الدراسات السابقة وتأكيدها

تتوافق هذه النتائج مع دراسات سابقة أظهرت أن الأشخاص الذين نشأوا مع الكلاب منذ طفولتهم واستمروا في تربيتها لاحقًا أظهروا درجات أعلى في مقاييس التعاطف والرغبة في تقديم الدعم الاجتماعي. هذا يشير إلى أن التعرض المبكر والمستمر للكلاب يمكن أن يكون له تأثير تراكمي على تطور الدماغ والسلوك الاجتماعي.

مستقبل الأبحاث حول العلاقة بين الإنسان والكلب

صرح الدكتور تاكيفومي كيكوسوي، مدير فريق الدراسة من جامعة أزابو باليابان، أن أكثر ما أثار اهتمام الباحثين هو اكتشافهم لوجود بكتيريا في ميكروبيوم الأطفال الذين يربون الكلاب تدعم السلوك الاجتماعي الإيجابي والتعاطف.

على الرغم من أن هذه النتائج واعدة للغاية، إلا أنها لا تزال بحاجة إلى مزيد من الدراسات لتأكيدها وفهم الآليات الدقيقة التي تعمل من خلالها. ومع ذلك، فإن هذه الأبحاث تفتح الباب أمام إمكانية استخدام الميكروبيوم كهدف علاجي لتحسين الصحة النفسية وتعزيز السلوك الاجتماعي الإيجابي. بالإضافة إلى ذلك، فإنها تؤكد أهمية العلاقة الفريدة بين الإنسان والكلب، والتي تتجاوز مجرد الرفقة لتشمل تبادلًا بيولوجيًا معقدًا له تأثيرات عميقة على صحتنا وسعادتنا.

هل تفكر في تبني كلب؟

إذا كنت تبحث عن طريقة لتحسين صحتك النفسية وتعزيز شعورك بالارتباط الاجتماعي، فقد يكون تبني كلب هو الحل. بالإضافة إلى الفوائد البيولوجية المحتملة، فإن الكلاب توفر الرفقة غير المشروطة والحب اللامحدود، مما يمكن أن يكون له تأثير إيجابي كبير على حياتك. تذكر أن تبني كلب هو التزام طويل الأمد، ولكن المكافآت تستحق العناء.

شاركها.
اترك تعليقاً