في عالمٍ يسعى فيه الجميع لإطالة العمر والحفاظ على صحة أفضل، تظهر اكتشافات علمية جديدة تلقي الضوء على آليات معقدة تتحكم في عملية الشيخوخة. أحد هذه الاكتشافات المذهلة يركز على دور العصب المبهم في الحفاظ على صحة القلب وشبابه، واضعاً إياه كعامل مضاد للشيخوخة حيوي. فقد أظهرت دراسة حديثة أجراها باحثون إيطاليون، نشرت نتائجها في مجلة “ساينس ترانسليشنال ميديسين” وتناقلها موقع يوريك أليرت، أن الحفاظ على اتصال سليم للعصب المبهم بالقلب يلعب دوراً محورياً في إبطاء وتيرة الشيخوخة فيه.

ما هو العصب المبهم وأهميته لصحة القلب؟

العصب المبهم ليس مجرد عصب آخر في جسمنا؛ بل هو العصب الرئيسي للجهاز العصبي اللاودي، وهو نظام التحكم المسؤول عن وظائف الجسم الأساسية التي تحدث تلقائياً دون تدخل واعٍ. يتكون هذا الجهاز من عصبين، أيمن وأيسر، يحملان حوالي 75% من الألياف التي تربط الدماغ بالقلب والجهاز الهضمي وأعضاء أخرى. يعتبر العصب المبهم بمثابة “طريقاً سريعاً” للمعلومات، حيث ينقل الإشارات من وإلى الدماغ، مما يؤثر بشكل كبير على صحة القلب والأوعية الدموية.

تُظهر الدراسة أن العصب المبهم الأيمن يضطلع بدور خاص في حماية خلايا عضلة القلب. يبدو أن هذا العصب يعمل كـ “حارس” يقاوم آثار الشيخوخة، مما يساعد على الحفاظ على عمر القلب وقدرته على العمل بكفاءة حتى مع ارتفاع معدل ضرباته.

كيف أظهرت الدراسة العلاقة بين العصب المبهم والشيخوخة؟

قادت الدراسة وحدة العناية الحرجة الانتقالية في مركز الأبحاث متعدد التخصصات في العلوم الصحية، تحت إشراف البروفيسور فينتشنزو ليونيتي، وبالتعاون مع مختبر معهد الروبوتات الحيوية بقيادة البروفيسور سيلفسترو ميسيرا. اعتمدت الدراسة على نهج متكامل يجمع بين الطب التجريبي والهندسة الحيوية، وشملت شبكة واسعة من المؤسسات البحثية المرموقة في إيطاليا وخارجها.

توصل الباحثون إلى نتيجة مهمة: “عندما يختل اتصال العصب المبهم، يشيخ القلب بوتيرة أسرع”. وهذا يعني أن أي ضعف أو تلف في هذا العصب يمكن أن يؤدي إلى تسريع عملية الشيخوخة في القلب، وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

الأمر الإيجابي هو أن الدراسة أظهرت أيضاً أن استعادة هذا الاتصال، حتى بشكل جزئي، يمكن أن يكون كافياً لمواجهة الآليات التي تؤدي إلى إعادة تشكيل القلب والحفاظ على وظائفه الحيوية. وهذا يفتح الباب أمام تطوير علاجات جديدة تهدف إلى تحسين صحة القلب ومنع الشيخوخة المبكرة.

دور الهندسة الحيوية في تجديد العصب المبهم

لم يقتصر دور الدراسة على الجانب الطبي فحسب، بل امتد ليشمل الهندسة الحيوية. فقد تم تطوير قناة عصبية قابلة للزرع والامتصاص الحيوي، مصممة خصيصاً لتعزيز وتوجيه عملية تجديد العصب المبهم على مستوى القلب. هذه القناة تعمل كـ “سقالة” تساعد الألياف العصبية على النمو وإعادة الاتصال بالقلب، مما يعزز من قدرته على مقاومة الشيخوخة. يقول يوجينيو ريدولفي ريفا، المؤلف المشارك لبراءة اختراع الأطراف الاصطناعية العصبية: “لقد طورنا قناة عصبية قابلة للزرع والامتصاص الحيوي، مصممة لتعزيز وتوجيه التجدد التلقائي للعصب المبهم الصدري على مستوى القلب.”

وظائف العصب المبهم المتعددة وتأثيرها على الصحة العامة

لا يقتصر تأثير العصب المبهم على صحة القلب فحسب، بل يمتد ليشمل العديد من وظائف الجسم الحيوية. فهو يلعب دوراً هاماً في:

  • الهضم: تنظيم حركة الأمعاء وإفراز العصارات الهضمية.
  • تنظيم وظائف الجسم اللاإرادية: مثل معدل ضربات القلب وضغط الدم والتنفس.
  • تعزيز الاستجابة المناعية: من خلال تنظيم عمل الخلايا المناعية.
  • تحسين المزاج: حيث يرتبط العصب المبهم بإنتاج هرمونات السعادة.
  • وظائف أخرى: مثل إفراز المخاط واللعاب، الإحساس بالجلد والعضلات، الكلام، التذوق، وإخراج البول.

يعتبر العصب المبهم جزءاً أساسياً من الجهاز العصبي اللاودي، الذي يتحكم في وظائف “الراحة والهضم”، وهي العمليات التي تساعد الجسم على الاسترخاء والتعافي. على عكس الجهاز العصبي الودي، الذي ينشط استجابة “الكر والفر” في حالات التوتر والخطر، يعمل الجهاز العصبي اللاودي على تهدئة الجسم وإعادة توازنه.

مستقبل جراحة القلب والعلاج الوقائي

يختتم البروفيسور ليونيتي حديثه قائلاً: “تفتح هذه النتائج مجتمعة آفاقاً جديدة لجراحة القلب والصدر وزراعة الأعضاء، إذ تشير إلى أن استعادة اتصال العصب المبهم القلبي أثناء الجراحة قد يمثل إستراتيجية مبتكرة لحماية القلب على الأمد الطويل، مما يحول العمل من إدارة المضاعفات المتأخرة المرتبطة بالشيخوخة المبكرة للقلب إلى الوقاية منها”.

وهذا يعني أن التدخلات الجراحية المستقبلية قد تركز بشكل أكبر على الحفاظ على سلامة العصب المبهم، أو حتى تجديده إذا لزم الأمر، بهدف حماية القلب ومنع التدهور الوظيفي المرتبط بالشيخوخة. كما أن هذه الاكتشافات قد تدفع إلى تطوير علاجات وقائية جديدة تهدف إلى تحسين وظيفة العصب المبهم وتعزيز صحة القلب على المدى الطويل. تعتبر هذه الدراسة خطوة هامة نحو فهم أعمق لآليات الشيخوخة، وتطوير استراتيجيات فعالة لمواجهتها والحفاظ على صحة أفضل في سن الشيخوخة.

المصدر: الجزيرة + مواقع إلكترونية + يوريك ألرت

شاركها.
اترك تعليقاً