في قلب المملكة العربية السعودية، تتجدد حكاية عشق قديم بين جيل جديد من الشباب والخيول الأصيلة. ورغم ارتفاع أسعارها وتراجع أعدادها، إلا أن هواية الخيل اكتسبت شعبية متزايدة، وأصبحت ملاذاً للعديد من الشبان الذين يجدون في هذا الكائن النبيل مزيجاً من الجمال، والقوة، والتحدي. هذا العشق يقودهم لاستكشاف عالم الفروسية، والسعي وراء السلالات المتميزة، و بناء علاقة فريدة تتجاوز مجرد الملكية إلى الشغف العميق.

أرض الأمل: تجمع فرسان جدة وعشاق الخيل

في مدينة جدة تحديداً، منطقة “الخمرة” تشكل نقطة جذب رئيسية لهؤلاء الهواة. أطلق عليها فرسان العروس ومنتجو الخيول اسم “أرض الأمل”، فهي بمثابة بداية رحلة طويلة نحو امتلاك مربط خاص، ورعاية هذه الكائنات الرائعة. هنا، تجتمع قلوب محبي الخيل، وتتراقص الخيول في ساحات مفتوحة، تعيد إحياء تراث الفروسية العريق.

هؤلاء الشباب، على الرغم من قلة عددهم نسبياً، يشكلون مجتمعاً متماسكاً يربطه الحب المشترك للخيول. ينشئون “إسطبلات” خاصة بهم، ملاذاً لهم ولخيولهم، بعيداً عن ضغوط الحياة اليومية.

من سكرة إلى التحسين الوراثي: رحلة عبدالله عقيلي

بدأ عبدالله عقيلي رحلته في عالم الفروسية بفرس بلدي أطلق عليها اسم “سكرة”. كانت هذه بداية لعشق استمر لسنوات، قاده إلى دراسة أصول الخيول، وأنواعها، وسلالاتها. ويصف عبدالله العلاقة بين الفارس و فرسه “هناك تواصل محسوس بين الخيال والخيل ولا يستطيع أحد آخر أن يشعر بذلك التواصل”.

لم تكن هواية عبدالله مجرد امتلاك الخيول، بل تعدتها إلى السعي نحو تحسين السلالات. بدأ ببيع وشراء الخيول، ليس بهدف التجارة، بل بهدف اختيار الأفضل، وتحسين النسل. ويؤكد أن الحصول على شهادات النسب، وتسجيل الخيول لدى مركز الملك عبدالعزيز للخيول العربية الأصيلة، عملية ليست سهلة، وتتطلب وقتاً وجهداً ومالاً.

ولهذا الغرض، شارك عبدالله مع 35 فارساً آخرين في شراء فحل متميز من الكويت، يساهم في رفع مستوى الإنتاج. كما يوضح أن تكاليف تربية الخيول باهظة، تشمل التغذية، والعلاج، والتدريب، وغيرها.

جمال الخيل.. شغف محمد المالكي ومسابقات الطموح

أما محمد المالكي، فقد بدأ اهتمامه بالخيل من خلال خيل اشتراها مع أخيه. من خلال هذه التجربة، اكتسب خبرة في تجارة الخيول البلدية، ثم انفتح على عالم مسابقات جمال الخيل.

“شاركت في مسابقة عن طريق الدعوة من أحد الإسطبلات و حينها لم يكن لدي اي خلفية عن تلك الأنواع من المسابقات” يقول المالكي، مشيراً إلى أن خيله “الفارس” كان نقطة البداية لهذا الشغف الجديد. فوزه بالمركز الخامس في مسابقة برعاية الأمير عبدالعزيز بن أحمد بن عبدالعزيز، جعله يدرك بوصلته الجديدة، ويسعى نحو الحصول على خيول عربية أصيلة تتميز بالجمال والنسب.

ويشير المالكي إلى أن للخيل الجميلة شروطاً خاصة يجب معرفتها، مثل صغر الرأس، وقصر الأنف، والتناسق الجسدي. وقد شارك في العديد من المسابقات في الرياض، ودبي، وقطر، ويحلم بالمشاركة في المسابقات العالمية في أوروبا وأمريكا. ويطالب بتوفير المزيد من المسابقات المحلية، ليستفيد منها الشباب، ويتعلموا، ويتطوروا في هذا المجال.

بين واقع الهواية ومستقبلها: آمال خالد البسام

يعبّر الشاب خالد البسام عن حبه للخيول منذ الطفولة، وكيف أن مشاغل الحياة والدراسة أبعدته عن هذا الشغف لفترة من الوقت. إلا أن رؤيته للخيول في مهرجان الجنادرية أعادت إشعال هذا الحب القديم.

يمتلك البسام خيولاً عربية يقضي معها أوقات فراغه في نهاية الأسبوع، ويتمنى أن يتمكن من توسيع مربطه، وتحقيق حلمه في إنتاج سلالة جيدة. لكنه يواجه تحدي ضيق الوقت، وكثرة الانشغالات. ويرى أن التقاعد سيكون فرصته لتحقيق هذا الحلم، والانغماس في عالم الخيول الذي يحبه.

دعم الهواة.. ضرورة لتعزيز تراث الفروسية

يتفق هؤلاء الشباب على وجود تواصل قوي بينهم، من خلال تبادل الخبرات، ومساعدة بعضهم البعض. ومع ذلك، يؤكدون على الحاجة إلى تدخل من الجهات الحكومية المتخصصة، مثل مركز الملك عبدالعزيز للخيول العربية، أو هيئات الفروسية والزراعة، لتوفير الدعم اللازم، وتذليل العقبات التي تواجههم.

هناك تزايد ملحوظ في عدد الشباب المهتم بالخيول، ولكن لا يزال هناك الكثير الذي يجب أن يتم عمله لخدمة هذه الفئة، وتعزيز هذا التراث العريق. فالاهتمام بـهواية الخيل ليس مجرد دعم لهواة، بل هو استثمار في تاريخ وثقافة المملكة العربية السعودية.

إن تشجيع هذه الهواية، وتقديم الدعم المادي والمعنوي لهؤلاء الشباب، سيساهم في الحفاظ على سلالات الخيول العربية الأصيلة، وتعزيز مكانة المملكة كمركز عالمي للفروسية والإسطبلات. كما أنه سيوفر فرص عمل جديدة، وينشط قطاع السياحة، ويساهم في بناء جيل واعٍ بتراثه وثقافته. فلنحرص على أن تبقى أرض الأمل خصبة لتحقيق أحلام هؤلاء الفرسان، وإحياء مجد الفروسية في المملكة.

شاركها.
اترك تعليقاً